الْحَبَشَة رَجَعَ إِلَى النَّجَاشِيّ إِلَى الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة ثمَّ ورد على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يتجهز لبدر وَقَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا نسخ الْكَلَام بعد الْهِجْرَة بِمدَّة يسيرَة وَأجَاب الْأَولونَ بِأَنَّهُ قَالَ فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ وَلم يقل فِي الْمرة الثَّانِيَة وحملوا حَدِيث زيد على أَنه إِخْبَار عَن الصَّحَابَة الْمُتَقَدِّمين كَمَا يَقُول الْقَائِل قتلناكم وهزمناكم يعنون الْآبَاء والأجداد ورد قَول الْخطابِيّ بتعذر التَّارِيخ وَفِيه نظر لِأَن فِي حَدِيث جَابر الَّذِي رَوَاهُ مُسلم " بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَاجَة ثمَّ أَدْرَكته وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت عَلَيْهِ فَأَشَارَ إِلَيّ فَلَمَّا فرغ قَالَ إِنَّك سلمت آنِفا وَأَنا أُصَلِّي فَهُوَ الَّذِي مَنَعَنِي أَن أُكَلِّمك " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَفِي لفظ " كَانَ ذَلِك وَهُوَ منطلق إِلَى بني المصطلق " وَهَذَا يرد أَيْضا مَا قَالَه ابْن حبَان من قَوْله توهم من لم يحكم صناعَة الْعلم أَن نسخ الْكَلَام فِي الصَّلَاة كَانَ بِالْمَدِينَةِ لحَدِيث زيد بن أَرقم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة كَانَ مُبَاحا إِلَى أَن رَجَعَ ابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه من عِنْد النَّجَاشِيّ فوجدوا إِبَاحَة الْكَلَام قد نسخت وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ مُصعب بن عُمَيْر يقري الْمُسلمين ويفقههم وَكَانَ الْكَلَام بِالْمَدِينَةِ مُبَاحا كَمَا كَانَ فِي مَكَّة فَلَمَّا نسخ ذَلِك بِمَكَّة تَركه النَّاس بِالْمَدِينَةِ فَحكى زيد ذَلِك الْفِعْل لَا أَن نسخ الْكَلَام كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْن حبَان فِي مَوضِع آخر بِأَن زيد بن أَرقم أَرَادَ بقوله " كُنَّا نتكلم " من كَانَ يُصَلِّي خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة من الْمُسلمين ورد هَذَا أَيْضا بِأَنَّهُم مَا كَانُوا بِمَكَّة يَجْتَمعُونَ إِلَّا نَادرا وَبِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ " كَانَ الرجل إِذا دخل الْمَسْجِد فَوَجَدَهُمْ يصلونَ سَأَلَ الَّذِي إِلَى جنبه فيخبره بِمَا فَاتَهُ فَيَقْضِي ثمَّ يدْخل مَعَهم حَتَّى جَاءَ معَاذ يَوْمًا فَدخل فِي الصَّلَاة " فَذكر الحَدِيث وَهَذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ قطعا لِأَن أَبَا أُمَامَة ومعاذ بن جبل إِنَّمَا أسلما بِالْمَدِينَةِ (فَإِن قلت) فِي حَدِيث جَابر الْمَذْكُور إِشْكَال على قَول أبي حنيفَة حَيْثُ قَالَ الْمُصَلِّي إِذا سلم عَلَيْهِ لَا يرد بِلَفْظ وَلَا بِإِشَارَة (قلت) حَدِيث جَابر رُوِيَ بِوُجُوه مُخْتَلفَة. مِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا هِشَام بن أبي عبد الله قَالَ حَدثنَا أَبُو الزبير " عَن جَابر قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر فَبَعَثَنِي فِي حَاجَة فَانْطَلَقت إِلَيْهَا ثمَّ رجعت إِلَيْهِ وَهُوَ على رَاحِلَته فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ ورأيته يرْكَع وَيسْجد فَلَمَّا سلم رد عَليّ " فَهَذَا جَابر بن عبد الله يخبر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يرد عَلَيْهِ وَأَنه لما فرغ من صلَاته رد عَلَيْهِ وروى أَيْضا مرّة عَن أبي بكرَة عَن أبي دَاوُد عَن هِشَام فَذكر بِإِسْنَادِهِ مثله غير أَنه لم يقل فَلم يرد عَليّ وَقَالَ " فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ أما إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك إِلَّا أَنِّي كنت أُصَلِّي " فَأَخْبرنِي هَذَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يرد عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة فَدلَّ ذَلِك على أَن تِلْكَ الْإِشَارَة الَّتِي كَانَت مِنْهُ فِي الصَّلَاة لم تكن ردا وَإِنَّمَا كَانَت نهيا (فَإِن قلت) روى الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن جَابر من رِوَايَة الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان قَالَ سَمِعت جَابِرا يَقُول مَا أحب أَن أسلم على الرجل وَهُوَ يُصَلِّي وَلَو سلم عَليّ لرددت عَلَيْهِ (قلت) هُوَ كره أَن يسلم على الْمُصَلِّي وَقد كَانَ سلم على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي فَأَشَارَ إِلَيْهِ فَلَو كَانَت الْإِشَارَة الَّتِي كَانَت من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رد السَّلَام عَلَيْهِ إِذا لما كره ذَلِك لِأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يَنْهَهُ عَنهُ وَلكنه إِنَّمَا كره ذَلِك لِأَن إِشَارَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تِلْكَ كَانَت عِنْده نهيا لَهُ عَن السَّلَام عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي (فَإِن قلت) قد قَالَ وَلَو سلم عَليّ لرددت (قلت) لَهُ أفقال جَابر لرددت فِي الصَّلَاة قد يجوز أَن يكون أَرَادَ بقوله " لرددت " أَي بعد فراغي من الصَّلَاة قَالَ الطَّحَاوِيّ وَقد دلّ على ذَلِك من مذْهبه مَا حَدثنَا عَليّ بن زيد قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا همام قَالَ سَأَلَ سُلَيْمَان بن مُوسَى عَطاء أسألت جَابِرا عَن الرجل يسلم عَلَيْك وَأَنت تصلي فَقَالَ لَا ترد عَلَيْهِ حَتَّى تقضي صَلَاتك فَقَالَ نعم ثمَّ الْأَئِمَّة اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَاب فَقَالَ قوم مِنْهُم يرد السَّلَام نطقا وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَالْحسن وَسَعِيد بن الْمسيب وَقَتَادَة وَإِسْحَاق وَمِنْهُم من قَالَ يسْتَحبّ رده بِالْإِشَارَةِ وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَقيل يرد فِي نَفسه روى ذَلِك عَن أبي حنيفَة أَيْضا وَقَالَ قوم يرد بعد السَّلَام وَهُوَ قَول عَطاء وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن أبي ذَر وَأبي الْعَالِيَة وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يرد لَا فِي الْحَال وَلَا بعد الْفَرَاغ وَقَالَت طَائِفَة من الظَّاهِرِيَّة إِذا كَانَت الْإِشَارَة مفهمة قطعت عَلَيْهِ صلَاته لما رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute