ثَالِثهَا تجب وَلَا تبطل وَالظَّاهِر عدم الْوُجُوب إِن كَانَت الصَّلَاة فرضا وَقد ضَاقَ الْوَقْت وَقَالَ عبد الْملك بن حبيب كَانَت صلَاته نَافِلَة وَإجَابَة أمه أفضل من النَّافِلَة وَكَانَ الصَّوَاب إجابتها لِأَن الِاسْتِمْرَار فِي صَلَاة النَّقْل تطوع وَإجَابَة أمه وبرها وَاجِب وَكَانَ يُمكنهُ أَن يخففها ويجيبها قيل لَعَلَّه خشِي أَن تَدعُوهُ إِلَى مُفَارقَة صومعته وَالْعود إِلَى الدُّنْيَا وتعلقاتها وَفِي الْوُجُوب فِي حق الْأُم حَدِيث مُرْسل رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص بن غياث عَن ابْن أبي ذِئْب عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِذا دعتك أمك فِي الصَّلَاة فأجبها وَإِن دعَاك أَبوك فَلَا تجبه " وَقَالَ مَكْحُول رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَنهُ وَقَالَ الْعَوام سَأَلت مُجَاهدًا عَن الرجل تَدعُوهُ أمه أَو أَبوهُ فِي الصَّلَاة قَالَ يجيبهما وَعَن مَالك إِذا منعته أمه عَن شُهُود الْعشَاء فِي جمَاعَة لم يطعها وَإِن منعته عَن الْجِهَاد أطاعها وَالْفرق ظَاهر لِأَن الْأَمْن غَالب فِي الأول دون الثَّانِي وَفِي كتاب الْبر والصلة عَن الْحسن فِي الرجل تَقول لَهُ أمه أفطر قَالَ يفْطر وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء وَله أجر الصَّوْم وَإِذا قَالَت أمه لَهُ لَا تخرج إِلَى الصَّلَاة فَلَيْسَ لَهَا فِي هَذَا طَاعَة لِأَن هَذَا فرض وَقَالُوا إِن مُرْسل ابْن الْمُنْكَدر الْفُقَهَاء على خِلَافه وَلم يعلم بِهِ قَائِل غير مَكْحُول وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ إِذا دَعَتْهُ أمه فليجبها يَعْنِي بالتسبيح وَبِمَا أُبِيح للْمُصَلِّي الْإِجَابَة بِهِ وَقَالَ ابْن حبيب من أَتَاهُ أَبوهُ ليكلمه وَهُوَ فِي نَافِلَة فليخفف وَيسلم وَيتَكَلَّم وَفِي الِاحْتِجَاج لمن يَقُول أَن الزِّنَا يحرم كَمَا يحرم وَطْء الْحَلَال قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهُوَ رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمُدَوَّنَة وَفِي الْمُوَطَّأ عَكسه لَا يحرم الزِّنَا حَلَالا قَالَ ويستدل بِهِ أَيْضا على أَن الْمَخْلُوق من مَاء الزَّانِي لَا تحل للزاني أم أمهَا وَهُوَ الْمَشْهُور وَقَالَ ابْن الْمَاجشون أَنَّهَا تحل وَوجه التَّمَسُّك على الْمَسْأَلَتَيْنِ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حكى عَن جريج أَنه نسب الزِّنَا للزاني وَصدق الله نسبته بِمَا خلق لَهُ من الْعَادة فَكَانَت تِلْكَ النِّسْبَة صَحِيحَة فَيلْزم على هَذَا أَن تجْرِي بَينهمَا أَحْكَام الْأُبُوَّة والبنوة من التَّوَارُث والولايات وَغير ذَلِك وَقد اتّفق الْمُسلمُونَ على أَن لَا توارث بَينهمَا فَلم تصح تِلْكَ النِّسْبَة وَالْمرَاد من ذَلِك تَبْيِين هَذَا الصَّغِير من مَاء من كَانَ وَسَماهُ أَبَاهُ مجَازًا أَو يكون فِي شرعهم أَنه يلْحقهُ وَفِيه دلَالَة على صِحَة وُقُوع الكرامات من الْأَوْلِيَاء وَهُوَ قَول جُمْهُور أهل السّنة وَالْعُلَمَاء خلافًا للمعتزلة وَقد نسب لبَعض الْعلمَاء إنكارها وَالَّذِي نظنه بهم أَنهم مَا أَنْكَرُوا أَصْلهَا لتجويز الْعقل لَهَا وَلما وَقع فِي الْكتاب وَالسّنة وأخبار صالحي هَذِه الْأمة مَا يدل على وُقُوعهَا وَإِنَّمَا مَحل الْإِنْكَار ادِّعَاء وُقُوعهَا مِمَّن لَيْسَ مَوْصُوفا بشروطها وَلَا هُوَ أهل لَهَا. وَفِيه أَن كَرَامَة الْوَلِيّ قد تقع بِاخْتِيَارِهِ وَطَلَبه وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد جمَاعَة الْمُتَكَلِّمين كَمَا فِي حَدِيث جريج. وَمِنْهُم من قَالَ لَا تقع بِاخْتِيَارِهِ وَطَلَبه. وَفِيه أَن الْكَرَامَة قد تقع بخوارق الْعَادَات على جَمِيع أَنْوَاعهَا وَمنعه بَعضهم وأدعى أَنَّهَا تخْتَص بِمثل إِجَابَة دُعَاء وَنَحْوه قَالَ بعض الْعلمَاء هَذَا غلط من قَائِله وإنكار للحس. فِيهِ دلَالَة على أَن من أَخذ بالشدة فِي أُمُور الْعِبَادَات كَانَ أفضل إِذا علم من نَفسه قُوَّة على ذَلِك لِأَن جريجا دَعَا الله فِي الْتِزَام الْخُشُوع لَهُ فِي صلَاته وفضله على الاستجابة لأمه فعاقبه الله تَعَالَى على ترك الاستجابة لَهَا بِمَا ابتلاه الله بِهِ من دَعْوَة أمه عَلَيْهِ ثمَّ أرَاهُ فضل مَا آثره من مُنَاجَاة ربه والتزام الْخُشُوع لَهُ أَن جعل لَهُ آيَة معْجزَة فِي كَلَام الطِّفْل فخلصه بهَا من محنة دَعْوَة أمه عَلَيْهِ. وَفِيه أَن من ابتلى بشيئين يسْأَل الله تَعَالَى أَن يلقِي فِي قلبه الْأَفْضَل ويحمله على أولي الْأَمريْنِ فَإِن جريجا لما ابْتُلِيَ بشيئين وَهُوَ قَوْله " اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي " فَاخْتَارَ الْتِزَام مُرَاعَاة حق الله تَعَالَى على حق أمه وَقَالَ ابْن بطال قد يُمكن أَن يكون جريج نَبيا لِأَنَّهُ كَانَ فِي زمن تمكن النُّبُوَّة فِيهِ وروى اللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن حُوسِبَ عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَو كَانَ جريج الراهب فَقِيها عَالما لعلم أَن إِجَابَة أمه خير من عبَادَة ربه " قَالَ صَاحب التَّوْضِيح وحوشب هَذَا هُوَ ابْن طخمة بِالْمِيم الْحِمْيَرِي (قلت) قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة حَوْشَب بن طخنة وَقيل طخمة يَعْنِي بِالْمِيم الْحِمْيَرِي الْأَلْهَانِي يعرف بِذِي ظليم أسلم على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعداده فِي أهل الْيمن وَكَانَ مُطَاعًا فِي قومه كتب إِلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قتل الْأسود الْعَنسِي وَفِي تَارِيخ دمشق كَانَ على رجالة حمص يَوْم صفّين ثمَّ قَالَ حَوْشَب لَهُ صُحْبَة وَله حَدِيث فَفِي مُسْند الشاميين فِي مُسْند أَحْمد وَلَعَلَّه الأول ثمَّ قَالَ حَوْشَب بن يزِيد الفِهري مَجْهُول روى عَنهُ ابْنه يزِيد فِي ذكر جريج الراهب وَفِيه عظم بر الْوَالِدين وَأَن دعاءهما مستجاب وَعَن هَذَا قَالَ الْعلمَاء إِن إكرامهما وَاجِب وَلَو كَانَا كَافِرين حَتَّى روى عَن ابْن عَبَّاس أَن لَهُ أَن يزور قبر وَالِديهِ وَلَو كَانَا كَافِرين وَتجب نفقتهما على الْوَلَد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute