فَأَخذهَا راعي الْغنم فواقعها عِنْد صومعة جريج فَحملت مِنْهُ وَكَانَ أهل تِلْكَ الْبَلدة يعظمون أَمر الزِّنَا فَظهر أَمر تِلْكَ الْمَرْأَة فِي الْبَلَد فَلَمَّا وضعت حملهَا أخبر الْملك أَن امْرَأَة قد ولدت من الزِّنَا فَدَعَاهَا فَقَالَ من أَيْن لَك هَذَا الْوَلَد قَالَت من جريج الراهب قد واقعني فَبعث الْملك أعوانه إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَنَادَوْهُ فَلم يجبهم حَتَّى جَاءُوا إِلَيْهِ بالمرور وهدموا صومعته وَجعلُوا فِي عُنُقه حبلا وجاؤا بِهِ إِلَى الْملك فَقَالَ لَهُ الْملك إِنَّك قد جعلت نَفسك عابدا ثمَّ تهتك حَرِيم النَّاس وتتعاطى مَا لَا يحل لَك قَالَ أَي شَيْء فعلت قَالَ إِنَّك قد زَنَيْت بِامْرَأَة كَذَا فَقَالَ لم أفعل فَلم يصدقوه وَحلف على ذَلِك وَلم يصدقوه فَقَالَ ردوني إِلَى أُمِّي فَردُّوهُ إِلَى أمه فَقَالَ لَهَا يَا أُمَّاهُ إِنَّك قد دَعَوْت الله عَليّ أفاستجاب الله دعاءك فادعي الله أَن يكْشف عني بدعائك فَقَالَت أمه اللَّهُمَّ إِن كَانَ جريج إِنَّمَا أَخَذته بدعوتي فاكشف عَنهُ فَرجع جريج إِلَى الْملك فَقَالَ أَيْن هَذِه الْمَرْأَة وَأَيْنَ الصَّبِي فجاؤا بِالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ فَسَأَلُوهَا فَقَالَت بلَى هَذَا الَّذِي فعل بِي فَوضع جريج يَده على رَأس الصَّبِي وَقَالَ بِحَق الَّذِي خلق أَن تُخبرنِي من أَبوك فَتكلم الصَّبِي بِإِذن الله تَعَالَى وَقَالَ إِن أبي فلَان الرَّاعِي فَلَمَّا سَمِعت الْمَرْأَة بذلك اعْترفت وَقَالَت كنت كَاذِبَة وَإِنَّمَا فعل بِي فلَان الرَّاعِي وَفِي رِوَايَة أَن الْمَرْأَة كَانَت حَامِلا لم تضع بعد فَقَالَ لَهَا أَيْن أصبتك قَالَت تَحت شَجَرَة وَكَانَت الشَّجَرَة بِجنب صومعته قَالَ جريج أخرجُوا إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة ثمَّ قَالَ يَا شَجَرَة أَسأَلك بِالَّذِي خلقك أَن تخبريني من زنا بِهَذِهِ الْمَرْأَة فَقَالَ كل غُصْن مِنْهَا راعي الْغنم ثمَّ طعن بِأُصْبُعِهِ فِي بَطنهَا وَقَالَ يَا غُلَام من أَبوك فَنَادَى من بَطنهَا أبي راعي الضَّأْن فَاعْتَذر الْملك إِلَى جريج الراهب وَقَالَ إيذن لي ابْني صومعتك بِالذَّهَب قَالَ لَا قَالَ بِالْفِضَّةِ قَالَ لَا وَلكنه بالطين كَمَا كَانَت فبنوه بالطين وَفِي كتاب الْبر والصلة لعبد الله بن الْمُبَارك من حَدِيث الْحسن أَن اسْمه كَانَ جَريا وَأَنَّهُمْ لما أحاطوا بِهِ قَالَ بِاللَّه أما أنظرتموني ليَالِي أدعوا الله عز وَجل فأنظروه ليَالِي الله أعلم كم هِيَ فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ إِذا اجْتمع النَّاس فاطعن فِي بطن الْمَرْأَة وَقل أيتها السخلة من أَنْت وَمن أَبوك فَإِنَّهُ سَيَقُولُ راعي الْغنم فَلَمَّا أصبح طعن فِي بطن الْمَرْأَة وَقَالَ أيتها السخلة من أَبوك قَالَت راعي الْغنم قَالَ الْحسن ذكر لي أَن مولودا لم يتَكَلَّم فِي بطن أمه إِلَّا هَذَا وَعِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " وَهُوَ فِي صومته " الْوَاو فِيهِ للْحَال والصومعة على وزن فوعلة من صمعت إِذا دققت لِأَنَّهَا دقيقة الرَّأْس قَوْله " جريج " بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره جِيم أَيْضا قَوْله " اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي " أَي اجْتمع إِجَابَة أُمِّي وإتمام صَلَاتي فوفقني لأفضلهما قَوْله " لَا يَمُوت جريج " نفي فِي معنى الدُّعَاء قَوْله " حَتَّى ينظر " بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " المياميس " جمع مومسة وَهِي الْفَاجِرَة المتجاهرة بِهِ وَفِي التَّلْوِيح المياميس الزواني والفاجرات الْوَاحِدَة مومسة وَالْجمع مومسات ومياميس وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ إِثْبَات الْيَاء فِيهِ غلط وَالصَّوَاب حذفهَا (قلت) لَيْسَ بغلط لِأَن الْعَرَب يشبعون الكسرة فَتَصِير فِي صُورَة الْيَاء وَقَالَ ابْن قرقول وبالياء روينَا وَكَذَا ذكره أَصْحَاب الْعَرَبيَّة وَرَوَاهُ السماك المياميس بِضَم الْمِيم وَقَالَ الْقَزاز قد يُقَال للخدم مومسات قَوْله " يابابوس " كلمة يَا حرف نِدَاء وبابوس بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف بَاء أُخْرَى مَضْمُومَة وَبعد الْوَاو الساكنة سين مُهْملَة قَالَ الْقَزاز هُوَ الصَّغِير ووزنه فاعول فاؤه وعينه من جنس وَاحِد وَهُوَ قَلِيل وَقيل هُوَ اسْم أعجمي وَقيل هُوَ عَرَبِيّ وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ اسْم ذَلِك الْوَلَد بِعَيْنِه وَقَالَ ابْن بطال هُوَ الرَّضِيع وَقَالَ الْكرْمَانِي لَو صحت الرِّوَايَة بِكَسْر السِّين وتنوينها يكون كنية لَهُ وَمَعْنَاهُ يَا أَبَا شدَّة (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على أَن الْكَلَام لم يكن مَمْنُوعًا فِي الصَّلَاة فِي شريعتهم فَلَمَّا لم يجب أمه وَالْحَال أَن الْكَلَام مُبَاح لَهُ أستجيبت دَعْوَة أمه فِيهِ وَقد كَانَ الْكَلَام مُبَاحا أَيْضا فِي شريعتنا أَولا حَتَّى نزلت {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَأَما الْآن فَلَا يجوز للْمُصَلِّي إِذا دعت أمه أَو غَيرهَا أَن يقطع صلَاته لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق " وَحقّ الله عز وَجل الَّذِي شرع فِيهِ آكِد من حق الْأَبَوَيْنِ حَتَّى يفرع مِنْهُ لَكِن الْعلمَاء يستحبون أَن يُخَفف صلَاته ويجيب أَبَوَيْهِ وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَصرح أَصْحَابنَا فَقَالُوا من خَصَائِص النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه لَو دَعَا إنْسَانا وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَجب عَلَيْهِ الْإِجَابَة وَلَا تبطل صلَاته وَحكى الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر ثَلَاثَة أوجه فِي إِجَابَة أحد الْوَالِدين. أَحدهَا لَا تجب الْإِجَابَة. ثَانِيهَا تجب وَتبطل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute