وَقَالَ بَعضهم: أَبُو هَارُون الْمَذْكُور جزم الْمزي بِأَنَّهُ عِيسَى بن أبي مُوسَى الحناط، قَالَ: وَقد أخرجه الْحميدِي فِي (مُسْنده) عَن سُفْيَان، فَسَماهُ عِيسَى، وَلَفظه: حَدثنَا عِيسَى بن أبي مُوسَى. قلت: قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : أَبُو هَارُون هَذَا مُوسَى بن أبي عِيسَى ميسرَة الحناط الْغِفَارِيّ أَخُو عِيسَى بن أبي عِيسَى الطَّحَّان، وَتَبعهُ على ذَلِك صَاحب (التَّوْضِيح) وَكَذَا قَالَ الْكرْمَانِي: أَبُو هَارُون هُوَ مُوسَى بن أبي عِيسَى الحناط. قَالَ الغساني: أَتَى ذكره فِي (الْجَامِع) فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب هَل يخرج الْمَيِّت من الْقَبْر، فِي قصَّة ابْن سلول، فَقَط، وعَلى كل حَال الحَدِيث معضل. قَوْله:(قَالَ لَهُ ابْن عبد الله) أَي: قَالَ للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ابْن عبد الله بن أبي، وَهُوَ أَيْضا اسْمه عبد الله، وَكَانَ اسْمه: الْحباب، فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عبد الله، فَقَالَ: أَنْت عبد الله، والحباب شَيْطَان، وَقد كَانَ أسلم وَحسن إِسْلَامه وَشهد بَدْرًا مُسلما مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يصعب عَلَيْهِ صُحْبَة أَبِيه لِلْمُنَافِقين، وَهُوَ الَّذِي جلس على بَاب الْمَدِينَة وَمنع أَبَاهُ فِي غزَاة الْمُريْسِيع من دُخُولهَا. قَوْله:(ألبس) ،، بِفَتْح الْهمزَة من الإلباس. قَوْله:(قَالَ سُفْيَان، فيرون. .) إِلَى آخِره، مُتَّصِل عِنْد سُفْيَان أخرجه البُخَارِيّ فِي أَوَاخِر الْجِهَاد فِي: بَاب كسْوَة الْأُسَارَى، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عمر وَسمع جَابر بن عبد الله، قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدر أُتِي بِأسَارَى وَأتي بِالْعَبَّاسِ وَلم يكن عَلَيْهِ ثوب، فَنظر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ قَمِيصًا فوجدوا قَمِيص عبد الله بن أبي يقدر عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه، فَلذَلِك نزع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَمِيصه الَّذِي ألبسهُ. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: كَانَت لَهُ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدٌ فَأحب أَن يُكَافِئهُ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز إِخْرَاج الْمَيِّت من قَبره لعِلَّة، وَقد ذَكرْنَاهُ مُسْتَوفى، وَمن الْعلَّة أَن يكون دفن بِلَا غسل أَو لحق الأَرْض المدفون فِيهَا سيل أَو نداوة، قَالَه الْمَاوَرْدِيّ فِي أَحْكَامه. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: اخْتلف الْعلمَاء فِي نبش من دفن وَلم يغسل فأكثرهم يُجِيز إِخْرَاجه وغسله، هَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، إلَاّ أَن مَالِكًا قَالَ: مَا لم يتَغَيَّر، وَكَذَا عندنَا: مَا لم يتَغَيَّر بالنتن. وَقيل: ينبش مَا دَامَ فِيهِ جُزْء من عظم وَغَيره، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: إِذا وضع فِي اللَّحْد وَلم يغسل لَا يَنْبَغِي أَن ينبشوه، وَبِه قَالَ أَشهب، وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِيمَن دفن بِغَيْر صَلَاة، قَالَ ابْن الْمُنْذر: فعندنا لَا ينبش بل يصلى على الْقَبْر، أللهم إلَاّ أَن لَا يهال عَلَيْهِ التُّرَاب فَإِنَّهُ يخرج وَيصلى عَلَيْهِ، نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي لعِلَّة الْمَشَقَّة، وَأَنه لَا يُسمى نبشا، وَقيل: ترفع لبنته وَهُوَ فِي لحده مِمَّا يُقَابل وَجهه لينْظر بعضه فيصلى عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يخرج مَا لم يتَغَيَّر، وَهُوَ قَول سَحْنُون. وَقَالَ أَشهب: إِن ذكرُوا ذَلِك قبل أَن يهال عَلَيْهِ التُّرَاب أخرج وَصلي عَلَيْهِ، وَإِن أهالوا فليترك، وَإِن لم يصل عَلَيْهِ. وَعَن مَالك: إِذا نسيت الصَّلَاة على الْمَيِّت حَتَّى فرغ من دَفنه لَا أرى أَن ينبشوه لذَلِك، وَلَا يصلى على قَبره، وَلَكِن يدعونَ لَهُ، وروى سعد بن مَنْصُور عَن شُرَيْح بن عبيد: أَن رجَالًا قبروا صاحبا لَهُم لم يغسلوه وَلم يَجدوا لَهُ كفنا، فوجدوا معَاذ بن جبل فأخبروه فَأَمرهمْ أَن يخرجوه ثمَّ غسل وكفن وحنط وَصلى عَلَيْهِ، وَفِيه: وَنَفث عَلَيْهِ من رِيقه. احْتج بِهِ على من يرى نَجَاسَة الرِّيق والنخامة، وَهُوَ قَول يرْوى عَن سلمَان الْفَارِسِي وإبرهيم النَّخعِيّ، وَالْعُلَمَاء كلهم على خِلَافه، وَالسّنَن وَردت برده، فمعاذ الله من صِحَة خِلَافه والشارع علمنَا النَّظَافَة وَالطَّهَارَة، وَبِه طهرنا الله من الأدناس، فريقه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يتبرك بِهِ ويستشفى. وَفِيه: أَن الشُّهَدَاء لَا تَأْكُل الأَرْض لحومهم، وَقيل: أَرْبَعَة لَا تعدو عَلَيْهِم الأَرْض وَلَا هوامها الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْعُلَمَاء وَالشُّهَدَاء والمؤذنون، وَقيل: ذَلِك لأهل أحد كَرَامَة لَهُم.