للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرج البُخَارِيّ طرفا مِنْهُ فِي الرقَاق عَن آدم بن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: (لن يُنجي أحدا مِنْكُم عمله! قَالُوا: وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وَشَيْء من الدلجة وَالْقَصْد تبلغوا) . وَأخرج النَّسَائِيّ أَيْضا مثل حَدِيث هَذَا الْبَاب.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (وَلنْ يشاد الدّين) من المشادة وَهِي: المغالبة من الشدَّة بالشين الْمُعْجَمَة، وَيُقَال: شاده يشاده مشادة: إِذا غالبه وقاواه، وَالْمعْنَى: لَا يتعمق أحدكُم فِي الدّين فَيتْرك الرِّفْق إلَاّ غلب الدّين عَلَيْهِ، وَعجز ذَلِك المتعمق وَانْقطع عَن عمله كُله أَو بعضه، وأصل لن يشاد: ويشادد، أدغمت الدَّال الأولى فِي الثَّانِيَة، وَمثل هَذِه الصِّيغَة مُشْتَرك بَين بِنَاء الْفَاعِل وَبِنَاء الْمَفْعُول، والفارق هُوَ الْقَرِينَة، وَهَهُنَا يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ على مَا يَجِيء عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (غَلبه) يُقَال: غَلبه يغلبه غلبا بِفَتْح الْغَيْن وَسُكُون اللَّام، وغلبا بتحريكها، وَغَلَبَة بإلحاق الْهَاء وغلابية مِثَال عَلَانيَة، وَغَلَبَة مِثَال حذقة، وغلبي بِضَمَّتَيْنِ، مُشَدّدَة الْبَاء مَقْصُورَة، ومغلبة؛ وَأما الغلب، بِضَم الْغَيْن فَهُوَ جمع غلباء، يُقَال: حديقة غلباء، وَحَدَائِق غلب، أَي: غِلَاظ ممتلئة. قَوْله: (فسددوا) من التسديد، بِالسِّين الْمُهْملَة، وَهُوَ: التَّوْفِيق للصَّوَاب وَهُوَ السداد وَالْقَصْد من القَوْل وَالْعَمَل، وَرجل مُسَدّد إِذا كَانَ يعْمل بِالصَّوَابِ وَالْقَصْد، وَيُقَال: معنى سددوا الزموا السداد، أَي: الصَّوَاب من غير تَفْرِيط وَلَا إفراط. قَوْله: (وقاربوا) بِالْبَاء الْمُوَحدَة لَا بالنُّون، مَعْنَاهُ: لَا تبلغوا النِّهَايَة بل تقربُوا مِنْهَا، يُقَال: رجل مقارب بِكَسْر الرَّاء: وسط بَين الطَّرفَيْنِ. وَقَالَ التَّيْمِيّ: قاربوا إِمَّا أَن يكون مَعْنَاهُ: قاربوا فِي الْعِبَادَة وَلَا تباعدوا فِيهَا، فَإِنَّكُم إِن باعدتم فِي ذَلِك لم تبلغوه، وَإِمَّا أَن يكون مَعْنَاهُ ساعدوا. يُقَال: قاربت فلَانا إِذا ساعدته أَي: ليساعد بَعْضكُم بَعْضًا فِي الْأُمُور، وَيُقَال: مَعْنَاهُ إِن لم تستطيعوا الْأَخْذ بِالْكُلِّ فاعملوا مَا يقرب مِنْهُ. وَفِي (الْعباب) : قَارب فلَان فلَانا إِذا ناغاه بِكَلَام حسن، وَفِي حَدِيث النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ: (قاربوا وسددوا) أَي: لَا تغلوا واقصدوا السداد وَهُوَ الصَّوَاب، وَشَيْء مقارب، بِكَسْر الرَّاء، أَي: وسط بَين الْجيد والرديء، وَلَا يُقَال: مقارب يَعْنِي بِالْفَتْح، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ رخيصا. قَوْله: (وابشروا) بِقطع الْهمزَة من الإبشار أَي: أَبْشِرُوا بالثواب على الْعَمَل وَإِن قل، وَجَاء لُغَة: ابشروا، بِضَم الشين من الْبشرَة بِمَعْنى الإبشار. قَوْله: (وَاسْتَعِينُوا) . من الِاسْتِعَانَة، وَهُوَ طلب العون. قَوْله: (بالغدوة) بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي، بِفَتْح الْغَيْن، وَتَبعهُ على هَذَا بعض الشَّارِحين، وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ: وَهُوَ سير أول النَّهَار إِلَى الزَّوَال. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الغدوة مَا بَين صَلَاة الْغَدَاة وطلوع الشَّمْس، والروحة، بِفَتْح الرَّاء، اسْم للْوَقْت من زَوَال الشَّمْس إِلَى اللَّيْل، وَفِي (الْمُحكم) : الغدوة البكرة، وَكَذَا الْغَدَاة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: أَتَيْته غدْوَة غير مصروفة لِأَنَّهَا معرفَة مثل: سحر، إلَاّ أَنَّهَا من الظروف المتمكنة. تَقول: سر على فرسك غدْوَة وغدوة وغدوة وغدوة، فَمَا نوّن من هَذَا فَهُوَ نكرَة، وَمَا لم ينون فَهُوَ معرفَة، وَالْجمع: غُدى، وَيُقَال: أَتَيْتُك غَدَاة غَد، وَالْجمع: غدوات انْتهى. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: غدية لُغَة فِي غدْوَة، كضحية لُغَة فِي ضحوة، والغدو جمع غدات نَادِر، وَغدا عَلَيْهِ غدوا وغدوانا، واغتد أبكر، وغاده باكره، وغدوة من يَوْم بِعَيْنِه غير منون: علم للْوَقْت. وَأما الرواح فَذكر ابْن سَيّده أَنه الْعشي، ورحنا رواحا وتروحنا: سرنا من ذَلِك الْوَقْت أَو عَملنَا. قَوْله: (من الدلجة) ، بِضَم الدَّال، وَإِسْكَان اللَّام، كَذَا الرِّوَايَة، وَيجوز فِي اللُّغَة فتحهَا، وَيُقَال بِفَتْح اللَّام أَيْضا، وَهِي بِالضَّمِّ سير آخر اللَّيْل، وبالفتح سير اللَّيْل، وادلج بِالتَّخْفِيفِ: سير اللَّيْل كُله، وبالتشديد سير آخر اللَّيْل، هَذَا هُوَ الْأَكْثَر. وَقيل: يُقَال فيهمَا بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد، وَقَالَ ابْن سَيّده: الدلجة سير السحر، والدلجة سير اللَّيْل كُله والدلج والدلجة، الْأَخِيرَة عَن ثَعْلَب: السَّاعَة من آخر اللَّيْل، وأدلجوا سَارُوا اللَّيْل كُله، وَقيل: الدلج اللَّيْل كُله من أَوله إِلَى آخِره، وَأي سَاعَة سرت من اللَّيْل من أَوله إِلَى آخِره فقد أدلجت، على مِثَال: أخرجت، والتفرقة بَين أدلجت وأدلجت قَول جَمِيع أهل اللُّغَة إلَاّ الْفَارِسِي، فَإِنَّهُ حكى: أدلجت وأدلجت لُغَتَانِ فِي الْمَعْنيين جَمِيعًا، وَفِي الْجَامِع: الدلجة والدلجة لُغَتَانِ بِمَعْنى، وهما سير السحر، وَقَالَ قوم: الدلجة سير السحر، والدلجة، بِالْفَتْح سير أول اللَّيْل، كِلَاهُمَا بِمَعْنى عِنْد أَكثر الْعَرَب، كَمَا تَقول: مَضَت بُرْهَة من الدَّهْر وبرهة وَتقول: أدْلج الرجل يدلج إدلاجا إِذا سَار من أول اللَّيْل، وأدلج إدلاجا سَار من آخِره، وَفِي (الجمهرة) : سَارُوا دُلجة من اللَّيْل أَي: سَاعَة، وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي الْمعَانِي: وَالِاسْم الدلج، بِالتَّحْرِيكِ، وَجمع الدلجة: دلج، وَغلط ابْن درسْتوَيْه ثعلبا فِي تَخْصِيصه أدْلج، بِالتَّشْدِيدِ، بسير أول اللَّيْل، وادلج، بِالتَّخْفِيفِ، بسير آخِره؛ قَالَ: وإنهما عندنَا جَمِيعًا سير اللَّيْل فِي كل

<<  <  ج: ص:  >  >>