لَازم وَالْحجّة غير قَائِمَة عَلَيْهِ. وَقَالَ القَاضِي: قد اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن أسلم فِي دَار الْحَرْب أَو أَطْرَاف بِلَاد الاسلام حَيْثُ لَا يجد من يستعلم الشَّرَائِع، وَلَا علم أَن الله تَعَالَى فرض شَيْئا من الشَّرَائِع، ثمَّ علم بعد ذَلِك، هَل يلْزمه قَضَاء مَا مر عَلَيْهِ من صِيَام وَصَلَاة لم يعملها؟ فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي آخَرين إِلَى إِلْزَامه، وَأَنه قَادر على الاستعلام والبحث وَالْخُرُوج إِلَى ذَلِك، وَذهب أَبُو حنيفَة أَن ذَلِك يلْزمه إِن أمكنه أَن يستعلم، فَلم يستعلم وفرط، وَإِن كَانَ لَا يحضرهُ من يستعلمه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَيف يكون ذَلِك فرض على من لم يفرضه.
الْخَامِس: قَالَ الإِمَام الْمَازرِيّ: بنوا على مَسْأَلَة الْفَسْخ مَسْأَلَة الْوَكِيل إِذا تصرف بعد الْعَزْل وَلم يعلم، فعلى القَوْل بِأَن حكم النّسخ لَازم حِين الْوُرُود لَا تمْضِي أَفعاله، وعَلى الثَّانِي: هِيَ مَاضِيَة. قَالَ القَاضِي: وَلم يخْتَلف الْمَذْهَب عندنَا فِيمَن اعْتِقْ، وَلم يعلم بِعِتْقِهِ أَن حكمه حكم الْأَحْرَار فِيمَا بَينه وَبَين النَّاس، وَأما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَجَائِز، وَلم يَخْتَلِفُوا فِي الْمُعتقَة أَنَّهَا لَا تعيد مَا صلت بِغَيْر ستر، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِيمَن هُوَ فِيهَا بِنَاء على هَذِه الْمَسْأَلَة، وَفعل الْأنْصَارِيّ فِي الصَّلَاة كالأمة تعلم بِالْعِتْقِ فِي أثْنَاء صلَاتهَا. قلت: وَمذهب الشَّافِعِي فِيمَن أعتقت وَلم تعلم حَتَّى فرغت من الصَّلَاة، وَكَانَت قادرة على السّتْر، هَل تجب الْإِعَادَة عَلَيْهَا؟ فِيهِ قَولَانِ للشَّافِعِيّ: كمن صلى بِالنَّجَاسَةِ نَاسِيا عِنْده، وَإِن اعتقت فِي أَثْنَائِهَا وَعلمت بِالْعِتْقِ، فَإِن عجزت مَضَت فِي صلَاتهَا، وَإِن كَانَت قادرة على السّتْر وسترت قَرِيبا صَحَّ، وَإِن مَضَت مُدَّة فِي التكشف قطعت واستأنفت على الْأَصَح من الْمَذْهَب.
السَّادِس: فِيهِ دَلِيل على قبُول خبر الْوَاحِد مَعَ غَيره من الاحاديث، وَعَادَة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، قبُول ذَلِك، وَهُوَ مجمع عَلَيْهِ من السّلف مَعْلُوم بالتواتر من عَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَوْجِيهه ولاته وَرُسُله آحاداً إِلَى الْآفَاق ليعلموا النَّاس دينهم، ويبلغوهم سنة رسولهم.
السَّابِع: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي الْقبْلَة ومراعاة السمت ليلهم إِلَى جِهَة الْكَعْبَة لأوّل وهلة فِي الصَّلَاة قبل قطعهم على مَوضِع عينهَا.
الثَّامِن: فِيهِ جَوَاز الصَّلَاة الْوَاحِدَة إِلَى جِهَتَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَاب الشَّافِعِي، فَمن صلى إِلَى جِهَة بِاجْتِهَاد، ثمَّ تغير اجْتِهَاده فِي أَثْنَائِهَا فيستدير إِلَى الْجِهَة الاخرى حَتَّى لَو تغير اجْتِهَاده أَربع مَرَّات فِي صَلَاة وَاحِدَة، فَتَصِح صلَاتهم على الْأَصَح فِي مَذْهَب الشَّافِعِي.
التَّاسِع: فِيهِ جَوَاز الِاجْتِهَاد بِحَضْرَة النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيه خلاف، لِأَنَّهُ كَانَ يُمكنهُم أَن يقطعوا الصَّلَاة وَأَن يبنوا، فرجحوا الْبناء وَهُوَ مَحل الِاجْتِهَاد.
الْعَاشِر: فِيهِ وجوب الصَّلَاة إِلَى الْقبْلَة وَالْإِجْمَاع على أَنَّهَا الْكَعْبَة، شرفها الله تَعَالَى.
الْحَادِي عشر: يحْتَج بِهِ على أَن من صلى بِالِاجْتِهَادِ إِلَى غير الْقبْلَة، ثمَّ تبين لَهُ الْخَطَأ لَا يلْزم الْإِعَادَة، لِأَنَّهُ فعل مَا عَلَيْهِ فِي ظَنّه مَعَ مُخَالفَة الحكم وَنَفس الْأَمر، كَمَا أَن أهل قبَاء فعلوا مَا وَجب عَلَيْهِم عِنْد ظنهم بقباء الْأَمر، فَلم يؤمروا بِالْإِعَادَةِ.
الثَّانِي عشر: فِيهِ اسْتِحْبَاب إكرام القادم أَقَاربه بالنزول عَلَيْهِم دون غَيرهم.
الثَّالِث عشر: أَن محبَّة الْإِنْسَان الِانْتِقَال من طَاعَة إِلَى أكمل مِنْهَا لَيْسَ قادحاً فِي الرضى، بل هُوَ مَحْبُوب.
الرَّابِع عشر: فِيهِ تمني تَغْيِير نفس الْأَحْكَام إِذا ظَهرت الْمصلحَة.
الْخَامِس عشر: فِيهِ الدّلَالَة على شرف النَّبِي: عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وكرامته على ربه، حَيْثُ يُعْطي لَهُ مَا يُحِبهُ من غير سُؤال.
السَّادِس عشر: فِيهِ بَيَان مَا كَانَ من الصَّحَابَة فِي الْحِرْص على دينهم، والشفقة على إخْوَانهمْ.
قَالَ زُهَيْرٌ حدّثنا أُبُو إسْحَاق عنِ البَرَاءِ فى حديثهِ هَذَا أَنه ماتَ علَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَن تُحَوَّلَ رِجالٌ وَقُتِلُوا فَلمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضيِعَ إيمانَكُمْ} .
قَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل ان البُخَارِيّ ذكره على سَبِيل التَّعْلِيق مِنْهُ، وَيحْتَمل أَن يكون دَاخِلا تَحت حَدِيثه السَّابِق، سِيمَا لَو جَوَّزنَا الْعَطف بِتَقْدِير حرف الْعَطف، كَمَا هُوَ مَذْهَب بعض النُّحَاة. وَقَالَ بَعضهم: وَوهم من قَالَ: إِنَّه مُعَلّق، وَقد سَاقه المُصَنّف فِي التَّفْسِير مَعَ جملَة الحَدِيث عَن أبي نعيم عَن زُهَيْر سياقاً وَاحِدًا. قلت: أما الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ جوز أَن يكون هَذَا مُسْندًا بِتَقْدِير حرف الْعَطف، وحرف الْعَطف لَا يجوز حذفه فِي الِاخْتِيَار وَهُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح، وَأما الْقَائِل الْمَذْكُور فَإِنَّهُ جزم بِأَنَّهُ مُسْند هَهُنَا، لِأَن قَوْله: وَوهم من قَالَ: إِنَّه مُعَلّق، يدل على هَذَا، بل هَذَا وهم لِأَن صورته صُورَة التَّعْلِيق بِلَا شكّ، وَلَيْسَ مَا بَينه وَبَين مَا قبله مَا يشركهُ إِيَّاه، وَلَا يلْزم من سوقه فِي التَّفْسِير جملَة وَاحِدَة سياقاً وَاحِدًا أَن يكون هَذَا مَوْصُولا غير مُعَلّق، وَهَذَا ظَاهر لَا يخفى. وَمَا رَوَاهُ زُهَيْر بن مُعَاوِيَة هَذَا فِي حَدِيث الْبَراء، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي