الْأَخْبَار عَن كتب الصَّدقَات الَّتِي كتبهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْخلاف فِيمَا إِذا زَادَت على مائَة وَعشْرين، فَعِنْدَ الشَّافِعِي: فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَفِي كل خمسين حقة. وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث، ومذهبه أَنه إِذا زَادَت على مائَة وَعشْرين وَاحِدَة فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون، فَإِذا صَارَت مائَة وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حقة وبنتا لبون، ثمَّ يَدُور الْحساب على الأربعينات والخمسينات، فَيجب فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَفِي كل خمسين حقة، وَبِه قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأحمد فِي رِوَايَة، وَقَالَ مُحَمَّد بن (إِسْحَاق وَأَبُو عبيد وَأحمد فِي رِوَايَة: لَا يتَغَيَّر الْفَرْض إِلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَيكون فِيهَا حقة وبنتا لبون. وَعَن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رِوَايَتَانِ روى عَنهُ ابْن الْقَاسِم وَابْن عبد الحكم، رحمهمَا الله تَعَالَى: أَن السَّاعِي بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذ ثَلَاث بَنَات لبون أَو حقتين، وَهُوَ قَول مطرف وَابْن أبي حَازِم وَابْن دِينَار وَأصبغ. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم، رَحمَه الله تَعَالَى: فِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون، وَلَا يُخَيّر السَّاعِي إِلَى أَن يبلغ ثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَيكون فِيهَا حَقه وابنتا لبون، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وروى عبد الْملك وَأَشْهَب وَابْن نَافِع عَن مَالك: أَن الْفَرِيضَة لَا تَتَغَيَّر بِزِيَادَة وَاحِدَة حَتَّى تزيد عشرا، فَيكون فِيهَا بِنْتا لبون وحقة، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد. وَعند أهل الظَّاهِر: إِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة ربع بعير أَو ثمنه أَو عشره، فَفِي كل خمسين حقة، وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَهُوَ قَول الاصطخري. وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير: يتَخَيَّر بَين الاسئناف وَعَدَمه لوُرُود الْأَخْبَار بهما. وَوَقع فِي (النِّهَايَة) للشَّافِعِيَّة، وَفِي (الْوَسِيط) أَيْضا أَنه قَول ابْن جُبَير، أَن بدل، ابْن جرير، وَهُوَ تَصْحِيف، وَحكى السفاقسي عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَالْحكم بن عتيبة أَن فِي مائَة وَخمْس وَعشْرين حقتين وَبنت مَخَاض، وَعند أبي حنيفَة وَأَصْحَابه: تسْتَأْنف الْفَرِيضَة فَيكون فِي الْخمس شَاة مَعَ الحقتين، وَفِي الْعشْر شَاتَان، وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه، وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض، وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون فَإِذا بلغت مائَة وستا وَتِسْعين فَفِيهَا أَربع حقاق إِلَى مِائَتَيْنِ، ثمَّ تسْتَأْنف الْفَرِيضَة أبدا كَمَا تسْتَأْنف فِي الْخمسين الَّتِي بعد الْمِائَة وَالْخمسين، وَهَذَا قَول ابْن مَسْعُود وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأهل الْعرَاق، وَحكى السفاقسي أَنه قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لكنه غير مَشْهُور عَنهُ. وَاحْتج أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (الْمَرَاسِيل) وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) والطَّحَاوِي فِي (مشكله) عَن حَمَّاد بن سَلمَة. قلت: لقيس بن سعد: خُذ لي كتاب مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، فَأَعْطَانِي كتابا أخبر أَنه من أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتبه لجده، فَقَرَأته فَكَانَ فِيهِ ذكر مَا يخرج من فَرَائض الْإِبِل، فَقص الحَدِيث إِلَى: أَن تبلغ عشْرين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت أَكثر من عشْرين وَمِائَة فَإِنَّهُ يُعَاد إِلَى أول فَرِيضَة الْإِبِل وَمَا كَانَ أقل من خمس وَعشْرين فَفِيهِ الْغنم، فِي كل خمس ذود شَاة.
وَأما الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِي فَنحْن قد عَملنَا بِهِ لأَنا قد أَوجَبْنَا فِي الْأَرْبَعين بنت لبون، فَإِن الْوَاجِب فِي الْأَرْبَعين مَا هُوَ الْوَاجِب فِي سِتّ وَثَلَاثِينَ، وَكَذَلِكَ أَوجَبْنَا فِي خمسين حقة، وَهَذَا الحَدِيث لَا يتَعَرَّض لنفي الْوَاجِب عَمَّا دونه، وَإِنَّمَا هُوَ عمل بِمَفْهُوم النَّص فَنحْن عَملنَا بالنصين، وَهُوَ أعرض عَن الْعَمَل بِمَا روينَاهُ. فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا الحَدِيث مُرْسل، وَقَالَ هبة الله الطَّبَرِيّ: هَذَا الْكتاب صحيفَة لَيْسَ بِسَمَاع وَلَا يعرف أهل الْمَدِينَة كلهم عَن كتاب عَمْرو بن حزم إلَاّ مثل روايتنا، رَوَاهَا الزُّهْرِيّ وَابْن الْمُبَارك وَأَبُو أويس، كلهم عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده مثل قَوْلنَا، ثمَّ لَو تَعَارَضَت الرِّوَايَتَانِ عَن عَمْرو بن حزم بقيت روايتنا عَن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهِي فِي (الصَّحِيح) وَبهَا عمل الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا حَدِيث مُنْقَطع بَين أبي بكر بن حزم إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيس بن سعد، أَخذه عَن كتاب لَا عَن سَماع، وَكَذَلِكَ حَمَّاد بن سَلمَة أَخذه عَن كتاب لَا عَن سَماع، وَقيس بن سعد وَحَمَّاد بن سَلمَة، وَإِن كَانَا من الثِّقَات، فروايتهما هَذِه تخَالف رِوَايَة الْحفاظ عَن كتاب عَمْرو بن حزم وَغَيره، وَحَمَّاد بَين سَلمَة سَاءَ حفظه فِي آخر عمره فالحفاظ لَا يحتجون بِمَا يُخَالف فِيهِ، ويتجنبون مَا ينْفَرد بِهِ، وخاصة عَن قيس بن سعد وَأَمْثَاله. قلت: الْأَخْذ من الْكتاب حجَّة، صرح الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الْمدْخل) : أَن الْحجَّة تقوم بِالْكتاب، وَإِن كَانَ السماع أولى مِنْهُ بِالْقبُولِ، وَالْعجب من الْبَيْهَقِيّ أَنه يُصَرح بِمثل هَذَا القَوْل ثمَّ يَنْفِيه فِي الْموضع الَّذِي تقوم عَلَيْهِ الْحجَّة. وَقَوله: وَعمل بهَا الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، غير مُسلم لِأَن ابْن أبي شيبَة روى فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن حَمْزَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: إِذا زَادَت الْإِبِل على عشْرين وَمِائَة يسْتَقْبل بهَا الْفَرِيضَة، وَحدثنَا يحيى بن سعيد عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إبراهي مثله. فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: