للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الشَّافِعِي فِي كِتَابه الْقَدِيم: رَاوِي هَذَا مَجْهُول عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأكْثر الروَاة عَن ذَلِك الْمَجْهُول يزْعم أَن الَّذِي روى هَذَا عَنهُ غلط عَلَيْهِ، وَأَن هَذَا لَيْسَ فِي حَدِيثه. قلت: الَّذِي رَوَاهُ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ عَاصِم بن حَمْزَة كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَجْهُول بل مَعْرُوف، روى عَنهُ الحكم وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَغَيرهمَا، وَوَثَّقَهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَالْعجلِي، وَأخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَإِن أَرَادَ الشَّافِعِي بقوله: يزْعم أَن الَّذِي يرْوى هَذَا عَنهُ غلط عَلَيْهِ، أَبَا إِسْحَاق السبيعِي فَلم يقل أحد غَيره إِنَّه غلط، وَقد ذكر الْبَيْهَقِيّ وَغَيره عَن يَعْقُوب الْفَارِسِي وَغَيره من الْأَئِمَّة أَنهم أحالوا بالغلط على عَاصِم، وَأما قَول الْبَيْهَقِيّ وَحَمَّاد بن سَلمَة: سَاءَ حفظه فِي آخر عمره، فالحفاظ لَا يحتجون بِمَا يُخَالف فِيهِ، فصادر عَن تعسف وتمحل لِأَنَّهُ لم ير أحد من أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن ذكر حمادا بِشَيْء من ذَلِك، وَالْعجب مِنْهُ أَنه أقتصر فِيهِ فِيهِ على هَذَا الْمِقْدَار، لِأَنَّهُ ذكره فِي غير هَذَا الْموضع بِأَسْوَأ مِنْهُ. وَقَوله: وخاصة عَن قيس بن سعد، بَاطِل، وَمَا لقيس بن سعد فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ كَثِيرُونَ وَأخرج لَهُ مُسلم على أَن روايتهم الَّتِي يستدلون بهَا غير سَالِمَة عَن النزاع، فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ ذكر فِي كتاب (التتبع على الصَّحِيحَيْنِ) أَن ثُمَامَة لم يسمعهُ من أنس وَلَا سَمعه عبد الله بن الْمثنى من ثُمَامَة. انْتهى. وَكَيف يَقُول الْبَيْهَقِيّ: وروينا الحَدِيث من حَدِيث ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس عَن أنس من أوجه صَحِيحَة، وَفِي (الْأَطْرَاف) للمقدسي: قيل لِابْنِ معِين: حَدِيث ثُمَامَة عَن أنس فِي الصَّدقَات؟ قَالَ: لَا يَصح وَلَيْسَ بِشَيْء، وَلَا يَصح فِي هَذَا حَدِيث فِي الصَّدقَات، وَفِي إِحْدَى رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ: عبد الله بن الْمثنى، قَالَ السَّاجِي: ضَعِيف مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا أخرج حَدِيثه، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي (الضُّعَفَاء) وَقَالَ: قَالَ أَبُو سَلمَة: كَانَ ضَعِيفا فِي الحَدِيث. وَأما قَول الظَّاهِرِيَّة، الَّذِي قَالَ بِهِ ابْن حزم أَيْضا فَبَاطِل بِلَا شُبْهَة إِذْ لم يرد الشَّرْع بِجعْل السَّائِمَة نِصَابا بِربع بعير أَو ثمنه أَو عشره، وتعلقوا بقوله: فَإِذا زَادَت، وَقَالُوا: الزِّيَادَة تحصل بِالثّمن وَالْعشر.

وَفِيه: فِي قَوْله: (فِي كل خمس شَاة) تعلق مَالك وَأحمد على تعين إِخْرَاج الْغنم فِي مثل ذَلِك حَتَّى لَو أخرج بَعِيرًا عَن الْأَرْبَع وَالْعِشْرين لم يجزه عِنْدهمَا، وَعند الْجُمْهُور، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إِنَّه يجْزِيه لِأَنَّهُ يجزىء عَن خمس وَعشْرين فَمَا دونهَا إولى لِأَن الأَصْل أَن يجب من جنس المَال، وَإِنَّمَا عدل عَنهُ رفقا بالمالك، فَإِذا رَجَعَ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى الأَصْل أَجزَأَهُ، فَإِن كَانَت قيمَة الْبَعِير مثلا دون قيمَة أَربع شِيَاه فَفِيهِ خلاف عِنْد الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم، والأقيس أَنه لَا يجزىء.

وَفِيه: فِي قَوْله: (فِي أَربع وَعشْرين) دلَالَة على أَن الْأَرْبَع مَأْخُوذَة عَن الْجَمِيع، وَإِن كَانَت الْأَرْبَع الزَّائِدَة على الْعشْرين وقصا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي (الْبُوَيْطِيّ) وَقَالَ فِي غَيره: إِنَّه عَفْو، وَيظْهر أثر الْخلاف فِيمَن لَهُ تسع من الْإِبِل فَتلف مِنْهَا أَرْبَعَة بعد الْحول، وَقبل التَّمَكُّن حَيْثُ قَالُوا: إِنَّه شَرط فِي الْوُجُوب، وَجَبت عَلَيْهِ شَاة بِلَا خلاف، وَكَذَا إِذا قَالُوا: التَّمَكُّن شَرط فِي الضَّمَان، وَقَالُوا: الوقص عَفْو. فَإِن قَالُوا يتَعَلَّق بِهِ الْفَرْض وَجب خَمْسَة أتساع شَاة، وَالْأول قَول الْجُمْهُور كَمَا نَقله ابْن الْمُنْذر، وَعَن مَالك رِوَايَة كَالْأولِ.

وَفِيه: أَن مَا دون خمس من الْإِبِل لَا زَكَاة فِيهِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاع.

وَفِيه: فِي قَوْله: (إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ) دَلِيل على أَن الأوقاص لَيست بِعَفْو، وَأَن الْفَرْض يتَعَلَّق بِالْجَمِيعِ وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي. قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَالأَصَح خِلَافه.

وَفِيه: أَن زَكَاة الْغنم فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة، وَقد أجمع الْعلمَاء على أَن لَا شَيْء فِي أقل من الْأَرْبَعين من الْغنم، وَأَن فِي الْأَرْبَعين شَاة، وَفِي مائَة وَعشْرين شَاتين وثلاثمائة ثَلَاث شِيَاه، وَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهَا شَيْء إِلَى أَرْبَعمِائَة فَفِيهَا أَربع شِيَاه، ثمَّ فِي كل مائَة شَاة، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي (الصَّحِيح) عَنهُ، وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَالْأَوْزَاعِيّ وَجَمَاعَة أهل الْأَثر، وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود. وَقَالَ الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن بن حَيّ: إِذا زَادَت على ثَلَاثمِائَة وَاحِدَة فَفِيهَا أَربع شِيَاه إِلَى أَرْبَعمِائَة، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة يجب فِيهَا خمس شِيَاه، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد، وَهُوَ مُخَالف للآثار. وَقيل: إِذا زَادَت على مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَان حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، حَكَاهُ ابْن التِّين وفقهاء الْأَمْصَار على خِلَافه.

وَفِيه: أَن شَرط وجوب الزَّكَاة فِي الْغنم السّوم عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَهِي الراعية فِي كلأ مُبَاح، وَقَالَ ابْن حزم: قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَبَعض أَصْحَابنَا: تزكّى السوائم والمعلوفة والمتخذة للرُّكُوب وللحرث وَغير ذَلِك من الْإِبِل وَالْغنم، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: أما الْإِبِل فَنعم، وَأما الْبَقر وَالْغنم فَلَا زَكَاة إلَاّ فِي سائمتها، وَهُوَ قَول أبي الْحسن بن الْمُفلس، وَقَالَ بَعضهم: أما الْإِبِل وَالْغنم فتزكى سائمتها وَغير سائمتها، وَأما الْبَقر فَلَا يزكّى إلَاّ سائمتها، وَهُوَ قَول أبي بكر بن دَاوُد، وَلم يخْتَلف أحد من أَصْحَابنَا فِي أَن سَائِمَة الْإِبِل وَغير سَائِمَة الْإِبِل مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>