أَي: قَامَ أَبُو طَلْحَة منتهيا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (برهَا) ، أَي: خَيرهَا، وَالْبر إسم جَامع لأنواع الْخيرَات والطاعات، وَيُقَال أَرْجُو ثَوَاب برهَا. قَوْله: (وَذُخْرهَا) أَي: أقدمها فأدخرها لأجدها هُنَاكَ، وَعَن ابْن مَسْعُود: الْبر فِي الْآيَة: الْجِهَة، وَالتَّقْدِير على هَذَا: أَبْوَاب الْبر. قَوْله: (بخ) ، هَذِه كلمة تقال عِنْد الْمَدْح والرضى بالشَّيْء وتكرر للْمُبَالَغَة، فَإِن وصلت خففت ونونت وَرُبمَا شددت كالاسم، وَيُقَال بِإِسْكَان الْخَاء وتنوينها مَكْسُورَة، وَقَالَ القَاضِي: حُكيَ بِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِين، وَرُوِيَ بِالرَّفْع، فَإِذا كررت فالاختيار تَحْرِيك الأول منونا وَإِسْكَان الثَّانِي، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: مَعْنَاهُ تَعْظِيم الْأَمر وتفخيمه، وسكنت الْخَاء فِيهِ كسكون اللَّام فِي: هَل وبل، وَمن نونه شبهه بالأصوات: كصه ومه، وَفِي (الواعي) : قَالَ الْأَحْمَر: فِي بخ أَربع لُغَات: الْجَزْم والخفض وَالتَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف. وَقَالَ ابْن بطال: هِيَ كلمة إعجاب، وَقَالَ ابْن التِّين: هِيَ كلمة تَقُولهَا الْعَرَب عِنْد الْمَدْح والمحمدة، وَقَالَ الْقَزاز: هِيَ كلمة يَقُولهَا المفتخر عِنْد ذكر الشَّيْء الْعَظِيم، وَكلهَا مُتَقَارِبَة فِي الْمَعْنى. قَوْله: (مَال رابح) بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: يربح فِيهِ صَاحبه فِي الْآخِرَة، وَمَعْنَاهُ: ذُو ربح كلابن وتامر، أَي: ذُو لبن وَذُو تمر، وَقَالَ ابْن قرقول: وَرُوِيَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة من تَحت من الرواح يَعْنِي: يروح عَلَيْهِ أجره. وَقَالَ ابْن بطال: وَالْمعْنَى أَن مسافته قريبَة وَذَلِكَ أنفس الْأَمْوَال. وَقيل: مَعْنَاهُ يروح بِالْأَجْرِ وَيَغْدُو بِهِ، وَاكْتفى بالرواح عَن الغدو، ولعلم السَّامع، وَيُقَال: مَعْنَاهُ أَنه مَال رائح، يَعْنِي من شَأْنه الرواح أَي: الذّهاب والفوات فَإِذا ذهب فِي الْخَيْر فَهُوَ أولى. وَقَالَ القَاضِي: وَهِي رِوَايَة يحيى بن يحيى وَجَمَاعَة، وَرِوَايَة أبي مُصعب وَغَيره بِالْبَاء الْمُوَحدَة. وَقَالَ ابْن قرقول: بل الَّذِي روينَاهُ ليحيى بِالْبَاء المفردة، وَهُوَ مَا فِي مُسلم، وَفِي (التَّلْوِيح) : يحيى الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن قرقول يحيى اللَّيْثِيّ المغربي، وَيحيى الَّذِي فِي البُخَارِيّ هُوَ النَّيْسَابُورِي، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الواني فِي كِتَابه (أَطْرَاف الْمُوَطَّأ) : فِي رِوَايَة يحيى الأندلسي بِالْبَاء الْمُوَحدَة، قَالَ: وَتَابعه روح بن عبَادَة وَغَيره، وَقَالَ يحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي وَإِسْمَاعِيل وَابْن وهب وَغَيرهم: رائح، بِالْهَمْزَةِ من الرّوح، وَشك القعْنبِي فِيهِ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: من قَالَ رابح، بِالْبَاء، فقد صحف. قَوْله: (وَقد سَمِعت مَا قلت) بوب عَلَيْهِ البُخَارِيّ فِي الْوكَالَة: بَاب إِذا قَالَ الرجل لوَكِيله ضَعْهُ حَيْثُ أَرَاك الله، وَقَالَ الْوَكِيل: قد سَمِعت، وَقَالَ الْمُهلب: دلّ على قبُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا جعل إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَة، ثمَّ رد الْوَضع فِيهَا إِلَى أبي طَلْحَة بعد مشورته عَلَيْهِ فِيمَن يَضَعهَا. قَوْله: (أفعل) . قَالَ السفاقسي: هُوَ فعل مُسْتَقْبل مَرْفُوع، وَقَالَ النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَن يَقُول: إفعل أَنْت ذَاك فقد أمضيته على مَا قلت، فَجعله أمرا. قَوْله: (فِي أَقَاربه) الْأَقَارِب جمع: الْأَقْرَب، وَقَالَت الْفُقَهَاء: لَو قَالَ: وقفت على قَرَابَتي، يتَنَاوَل الْوَاحِد، وَيُقَال: هم قَرَابَتي وَهُوَ قَرَابَتي، وَفِي (الفصيح) : ذُو قَرَابَتي للْوَاحِد وَذُو قَرَابَتي للإثنين وَذُو قَرَابَتي للْجمع، والقرابة والقربى فِي الرَّحِم. وَفِي (الصِّحَاح) : والقرابة الْقُرْبَى فِي الرَّحِم، وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر تَقول: بيني وَبَينه قرَابَة وَقرب وقربى ومقربة ومقربة وقربة وقربة، بِضَم الرَّاء، وَهُوَ قربى وَذُو قَرَابَتي وهم أقربائي وأقاربي، والعامة تَقول: هُوَ قَرَابَتي وهم قراباتي. قَوْله: (وَبني عَمه) ، من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام، فَافْهَم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن الرجل الصَّالح قد يُضَاف إِلَيْهِ حب المَال وَقد يضيفه هُوَ إِلَى نَفسه، وَلَيْسَ فِي ذَلِك نقيصة عَلَيْهِ. وَفِيه: اتِّخَاذ الْبَسَاتِين وَالْعَقار، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَفِيه رد لما يرْوى عَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّه قاال: (لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَة فترغبوا فِي الدُّنْيَا) . وَفِيه: إِبَاحَة دُخُول الْعلمَاء الْبَسَاتِين. وَفِيه: دُخُول الشَّارِع حَوَائِط أَصْحَابه وشربه من مَائِهَا. وَفِيه: أَن كسب الْعقار مُبَاح إِذا كَانَ حَلَالا وَلم يكن بِسَبَب ذل وَلَا صغَار، فَإِن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كره كسب أَرض الْخراج وَلم ير شراها، وَقَالَ لَا تجْعَل فِي عُنُقك صغَارًا. وَفِيه: إِبَاحَة شرب من مَاء الصّديق وَكَذَا الْأكل من ثماره وَطَعَامه. قَالَ أَبُو عمر: إِذا علم أَن نفس صَاحبه تطيب بذلك. وَفِيه: دلَالَة للْمَذْهَب الصَّحِيح أَنه يجوز أَن يُقَال: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول، كَمَا يُقَال: ءن الله تَعَالَى قَالَ، خلافًا لما قَالَه مطرف بن عبد الله بن الشخير، إِذْ قَالَ: لَا يُقَال الله وَتَعَالَى يَقُول، إِنَّمَا يُقَال: قَالَ الله، أَو الله، عز وَجل، كَأَنَّهُ ينجر إِلَى اسْتِئْنَاف القَوْل. وَقَول الله قديم، وَكَأَنَّهُ ذهل عَن قَوْله عز وَجل {وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل} (الْأَحْزَاب: ٤) . وَفِيه: اسْتِعْمَال ظَاهر الْخطاب وعمومه، أَلا ترى أَن أَبَا طَلْحَة حِين سمع: {لن تنالوا الْبر} (آل عمرَان: ٢٩) . لم يحْتَج أَن يقف حَتَّى يرد عَلَيْهِ الْبَيَان عَن الشَّيْء الَّذِي يُرِيد الله عز وَجل، أَن ينْفق عباده مِنْهُ إِمَّا بِآيَة أَو سنة تبين ذَاك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute