للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله ومَنْ يَتَصَبَّرُ يُصَبِّرُهُ الله ومَا أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرا وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ.

(الحَدِيث ٩٦٤١ طرفه فِي: ٠٧٤٦) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. .

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَعَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر، ثَلَاثَتهمْ عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة وَفِي الرقَاق عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن نَاسا من الْأَنْصَار) لم يعرف أَسمَاؤُهُم، وَلَكِن قَالَ بَعضهم: فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ مَا يدل على أَن أَبَا سعيد مِنْهُم، فَفِي حَدِيثه: (سرحتني أُمِّي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي لاسأله من حَاجَة شَدِيدَة، فَأَتَيْته وَقَعَدت فاستقبلني فَقَالَ: من اسْتغنى أغناه الله) الحَدِيث، وَزَاد فِيهِ: (وَمن سَأَلَ وَله أُوقِيَّة فقد ألحف، فَقلت: نَاقَتي خير من أُوقِيَّة، فَرَجَعت وَلم أسأله) . قلت: لَيْت شعري أَي: دلَالَة هَذِه من أَنْوَاع الدلالات وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء يدل على كَونه مَعَ الْأَنْصَار فِي حَالَة سُؤَالهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَوْله: (سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْطَاهُمْ) ، أَي: شَيْئا. وَهَذِه اللَّفْظَة فِي بعض النّسخ ثَلَاث مَرَّات. قَوْله: (حَتَّى نفد) ، بِكَسْر الْفَاء وبالدال الْمُهْملَة، أَي: فرغ وفني، وَقَالَ ابْن سَيّده: وأنفده هُوَ واستنفده. قَوْله: (مَا يكون) ، كلمة: مَا، فِيهِ مَوْصُولَة متضمنة لِمَعْنى الشَّرْط. وَقَوله: (فَلم أدخره) جَوَاب الشَّرْط، وَمَعْنَاهُ لن أجعله ذخيرة لغيركم معرضًا عَنْكُم، والفصيح فِيهِ إهمال الدَّال وَجَاء بإعجامها مدغما وَغير مدغم، لَكِن تقلب التَّاء دَالا مُهْملَة فَفِيهِ ثَلَاث لُغَات. وَيُقَال: مَعْنَاهُ لن أحبسه عَنْكُم، ويروى عَن مَالك: (فَلَنْ أدخره) . قَوْله: (وَمن يستعف) أَي: من طلب الْعِفَّة عَن السُّؤَال وَلم يظْهر الِاسْتِغْنَاء عَن الْخلق وَلم يقبل أَن أعْطى فَهُوَ هُوَ إِذْ الصَّبْر جَامع لمكارم الإخلاق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَمن يسْتَغْن) أَي وَمن يظْهر الإستغناء (يغنه الله) (يعفه الله) ، أَي: يرزقه الله الْعِفَّة، أَي: الْكَفّ عَن الْحَرَام، يُقَال: عف يعف عفة فَهُوَ عفيف. قَالَ الطَّيِّبِيّ: مَعْنَاهُ من طلب الْعِفَّة عَن السُّؤَال وَلم يظْهر الِاسْتِغْنَاء (يغنه الله) أَي: يرزقه الْغنى عَن النَّاس، فَلَا يحْتَاج إِلَى أحد. قَوْله: (وَمن يتصبر) ، أَي: من يعالج الصَّبْر، وَهُوَ مَا بَاب: التفعل، فِيهِ معنى التَّكَلُّف (يصبره الله) أَي: يرزقه الله صبرا وَهُوَ من بَاب: التفعيل. قَوْله: (عَطاء) أَي: شَيْئا من الْعَطاء. قَوْله: (خيرا) ، بِالنّصب صفته، ويروى: خير، بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ خير.

وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: إِعْطَاء السَّائِل مرَّتَيْنِ والاعتذار إِلَى السَّائِل والحض على التعفف.

وَفِيه: الْحَث على الصَّبْر على ضيق الْعَيْش وَغَيره من مكاره الدُّنْيَا. وَفِيه: أَن الِاسْتِغْنَاء والعفة وَالصَّبْر بِفعل الله تَعَالَى. وَفِيه: جَوَاز السُّؤَال للْحَاجة وَإِن كَانَ الأولى تَركه وَالصَّبْر حَتَّى يَأْتِيهِ رزقه بِغَيْر مَسْأَلَة. وَفِيه: مَا كَانَ عَلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْكَرم والسخاء والسماحة والإيثار على نَفسه.

٠٧٤١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأتِيَ رَجُلاً فَيَسْألَهُ أعْطَاهُ أوْ منَعَهُ..

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من عمل بِهَذَا الحَدِيث يحصل لَهُ الاستعفاف عَن الْمَسْأَلَة. وَرِجَاله قد تكرروا، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن عَليّ بن شُعَيْب عَن معن ابْن عِيسَى عَن مَالك بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لِأَن يَأْخُذ) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَفِي الْمُوَطَّأ: (ليَأْخُذ أحدكُم) . قَوْله: (حبله) أَي: رسنه. قَوْله: (فيحتطب) أَي: فَإِن يحتطب أَي: يجمع الْحَطب. قَوْله: (خير) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ خير لَهُ. قَوْله: (فيسأله) أَي: فَإِن يسْأَله، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فِي رِوَايَة ابْن وهب: (خير لَهُ من أَن يَأْتِي رجلا قد أعطَاهُ الله من فَضله فيسأله) . قَوْله: (أعطَاهُ أَو مَنعه) لِأَن حَال المسؤول مِنْهُ إِمَّا الْعَطاء فَفِيهِ الْمِنَّة وذل السُّؤَال، وَإِمَّا الْمَنْع فَفِيهِ الذل والخيبة

<<  <  ج: ص:  >  >>