والحرمان، وَكَانَ السّلف إِذا سقط من أحدهم سَوْطه. لَا يسْأَل من يناوله إِيَّاه.
وَفِيه: التحريض على الْأكل من عمل يَده والاكتساب من الْمُبَاحَات.
وَاعْلَم أَن مدَار الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب على كَرَاهِيَة الْمَسْأَلَة، وَهِي على ثَلَاثَة أوجه: حرَام ومكروه ومباح. فالحرام لمن سَأَلَ وَهُوَ غَنِي من زَكَاة أَو أظهر من الْفقر فَوق مَا هُوَ بِهِ. وَالْمَكْرُوه لمن سَأَلَ وَعِنْده مَا يمنعهُ عَن ذَلِك وَلم يظْهر من الْفقر مَا هُوَ بِهِ، والمباح لمن سَأَلَ بِالْمَعْرُوفِ قَرِيبا أَو صديقا. وَأما السُّؤَال عِنْد الضَّرُورَة فَوَاجِب لإحياء النَّفس. وَأدْخلهُ الدَّاودِيّ فِي الْمُبَاح. وَأما الْأَخْذ من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف نفس فَلَا بَأْس بِهِ.
وَفِي هَذَا الْبَاب أَحَادِيث: عَن عَطِيَّة السَّعْدِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا أَغْنَاك الله فَلَا تسْأَل النَّاس شَيْئا فَإِن الْيَد الْعليا المعطية وَإِن الْيَد السُّفْلى هِيَ المعطاء) ، رَوَاهُ ابْن عبد الْبر. وَعَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من سَأَلَ وَله مَا يُغْنِيه جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة ومسألته فِي وَجهه خموش أَو خدوش أَو كدوح، قيل: يَا رَسُول الله وَمَا يُغْنِيه؟ قَالَ: خَمْسُونَ درهما أَو قيمتهَا من الذَّهَب) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدِيث حسن، وَرَوَاهُ بَقِيَّة الْأَرْبَعَة وَالْحَاكِم، وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي (كتاب القناعة) وَلَفظه: (من سَأَلَ النَّاس عَن ظهر غنى جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَفِي وَجهه كدوح أَو خموش، قيل: يَا رَسُول الله مَا الْغنى؟ قَالَ: خَمْسُونَ درهما أَو قِيمَته من الذَّهَب) . وَعَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَعَن حُبَيْش بن جُنَادَة السَّلُولي قَالَ: (سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة) الحَدِيث، وَفِيه: (وَمن سَأَلَ النَّاس ليثري بِهِ مَاله كَانَ خموشا فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة، ورضفا يَأْكُلهُ من جَهَنَّم، فَمن شَاءَ فليقِلَّ وَمن شَاءَ فليكثِر) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَانْفَرَدَ بِهِ. وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه مثل حَدِيث عبد الله بن عَمْرو. وَعَن قبيصَة بن الْمخَارِق الْهِلَالِي، قَالَ: (تحملت حمالَة فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث، وَفِيه: (يَا قبيصَة: إِن الْمَسْأَلَة لَا تحل إلَاّ لأحد ثَلَاثَة: رجل تحمل حمالَة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيبهَا ثمَّ يمسك، وَرجل أَصَابَته جَائِحَة اجتاحت مَاله فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب قواما من عَيْش. أَو قَالَ: سدادا من عَيْش، وَرجل أَصَابَته فاقة حَتَّى يَقُول ثَلَاثَة من ذَوي الحجى من قومه: لقد أصَاب فلَانا فاقة، فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب قواما من عَيْش، أَو قَالَ: سدادا من عَيْش، فَمَا سواهن من الْمَسْأَلَة يَا قبيصَة سحت يأكلها صَاحبهَا سحتا) . رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن رجلا من الْأَنْصَار) الحَدِيث، وَفِيه: (أَن الْمَسْأَلَة لَا تصلح إلَاّ لثَلَاثَة: لذِي فقر مدقع، أَو لذِي غرم مقطع، أَو لذِي دم موجع) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه. وَعَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي) ، رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) . وَعَن عمرَان ابْن حُصَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَسْأَلَة الْغَنِيّ شين فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة) ، رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار. وَعَن ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (من سَأَلَ مَسْأَلَة وَهُوَ عَنْهَا غَنِي كَانَت شَيْئا فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة) ، رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ، وَإِسْنَاده صَحِيح. وَعَن مَسْعُود بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يزَال العَبْد يسْأَل وَهُوَ غَنِي حَتَّى يخلق وَجهه فَلَا يكون لَهُ عِنْد الله وَجه) ، رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير. وَعَن جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من سَأَلَ وَهُوَ غَنِي عَن الْمَسْأَلَة يحْشر يَوْم الْقِيَامَة وَهِي خموش فِي وَجهه) ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) وَعَن رجلَيْنِ غير مسميين أَتَيَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ يقسم الصَّدَقَة، فسألا مِنْهَا، فَرفع فِينَا الْبَصَر وخفضه فرآنا جلدين، فَقَالَ: (إِن شئتما أعطيتكما وَلَا حظَّ فِيهَا لَغَنِيّ وَلَا لقوي مكتسب) ، وَرِجَاله فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من سَأَلَ وَله قيمَة أُوقِيَّة فقد ألحف، فَقلت نَاقَتي الياقوتة خير من أُوقِيَّة) . وَفِي رِوَايَة: (خير من أَرْبَعِينَ درهما، فَرَجَعت فَلم أسأله) . وَكَانَت الْأُوقِيَّة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ درهما، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه. وَعَن سُهَيْل بن الحنظلية قَالَ: (قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُيَيْنَة بن حُصَيْن والأقرع بن حَابِس فَسَأَلَاهُ فَأمر لَهما بِمَا سألاه. .) الحَدِيث، وَفِيه: (فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سَأَلَ وَعِنْده مَا يُغْنِيه فَإِنَّمَا يستكثر من النَّار، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! وَمَا يُغْنِيه؟ وَقَالَ النُّفَيْلِي: وَمَا الْغنى الَّذِي لَا يَنْبَغِي مَعَه الْمَسْأَلَة؟ قَالَ: قدر مَا يغديه ويعشيه) . وَقَالَ النُّفَيْلِي، فِي مَوضِع آخر: (أَن يكون لَهُ شبع يَوْم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute