لفظ: مجمع، مُضَافا إِلَيْهِ، ويروى: (فَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ يجمع بَين عنقِي وكتفي) ، بِالْبَاء الجارة وَضم الْجِيم وَسُكُون الْمِيم، وَمحله نصب على الْحَال تَقْدِيره: ضرب بِيَدِهِ حَال كَونهَا مَجْمُوعَة، وَيجوز فِي الْكَتف ثَلَاث لُغَات. قَوْله: (ثمَّ قَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أقبل) بِفَتْح الْهمزَة، أَمر من الإقبال أَو بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الْبَاء من الْقبُول، حسب الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ التَّيْمِيّ: فِي بَعْضهَا أقبل بِقطع الْألف، كَأَنَّهُ لما قَالَ ذَلِك تولى ليذْهب فَقَالَ لَهُ: أقبل لأبين لَك وَجه الْإِعْطَاء وَالْمَنْع، وَفِي بَعْضهَا بوصل الإلف أَي: أقبل مَا أَنا قَائِل لَك وَلَا تعترض عَلَيْهِ. قلت: وَيدل عَلَيْهِ بَاقِي رِوَايَة مُسلم: (أقتالاً أَي سعد) أَي: أتقاتل قتالاً؟ أَي: أتعارضني فِيمَا أَقُول مرّة بعد مرّة كَأَنَّك تقَاتل؟ وَهَذَا يشْعر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره مِنْهُ إلحاحه عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَة. قَوْله: (أَي سعد) يَعْنِي: يَا سعد إِنِّي لأعطي، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَإِنَّمَا أعطي الرجل ليتألفه ليستقر الْإِيمَان فِي قلبه وَعلم أَنه إِن لم يُعْطه قَالَ قولا أَو فعل فعلا دخل بِهِ النَّار، فَأعْطَاهُ شَفَقَة عَلَيْهِ، وَمنع الآخر علما مِنْهُ رسوخ الْإِيمَان فِي صَدره ووثوقا على صبره.
وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ: الشَّفَاعَة للرجل من غير أَن يسْأَلهَا ثَلَاثًا. وَفِيه: النَّهْي عَن الْقطع لأحد من النَّاس بِحَقِيقَة الْإِيمَان وَأَن الْحِرْص على هِدَايَة غير الْمُهْتَدي آكِد من الْإِحْسَان إِلَى الْمُهْتَدي. وَفِيه: الْأَمر بالتعفف والاستغناء وَترك السُّؤَال.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله فَكُبْكِبُوا قُلِبُوا مُكِبا أكَبَّ الرَّجُلِ إذَا كانَ فِعلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أحَدٍ فإذَا وقَعَ الفِعْلُ قُلْتَ كَبَّهُ الله لِوَجْهِهِ وكبَبْتُهُ أنَا
قَالَ أَبُو عبد الله، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَقد جرت عَادَته أَنه إِذا كَانَ فِي الْقُرْآن لفظ يُنَاسب لفظ الحَدِيث يذكرهُ اسْتِطْرَادًا فَقَوله: (فكبكبوا) ، مَذْكُور فِي سُورَة الشُّعَرَاء مَعْنَاهُ: فكبوا بِلَفْظ الْمَجْهُول من الكب، وَهُوَ الْإِلْقَاء على الْوَجْه. وَفِي بَعْضهَا: قلبوا بِالْقَافِ وَاللَّام وَالْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (مكبا) ، بِضَم الْمِيم هُوَ الْمَذْكُور فِي سُورَة الْملك، وَهُوَ قَوْله: {أَفَمَن يمشي مكبا على وَجهه} (الْملك: ٢٢) . قَوْله: (أكب الرجل) يَعْنِي: وَقع على وَجهه، وَهُوَ لَازم أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (إِذا كَانَ فعله غير وَاقع على أحد) ، وَذَلِكَ أَنهم يسمون الْفِعْل الَّذِي لَا يتَعَدَّى: لَازِما وَغَيره وَاقع. قَوْله: (فَإِذا وَقع الْفِعْل) ، يَعْنِي: إِذا وَقع على أحد يكون مُتَعَدِّيا: وَيُسمى وَاقعا أَيْضا، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (قلت كَبه الله لوجهه) ، وَهَذَا من نَوَادِر الْكَلِمَة حَيْثُ كَانَ ثلاثيه مُتَعَدِّيا والمزيد فِيهِ لَازِما، عكس الْقَاعِدَة التصريفية. قَوْله: (وكببته أَنا) متعدٍ أَيْضا، أَي: كببت أَنا فلَانا على وَجهه، وأتى بالمثالين أَحدهمَا من الْغَائِب وَالْآخر من الْمُتَكَلّم، وكببته يجوز فِيهِ أَن تبدل الْيَاء من الْبَاء الثَّانِيَة فَنَقُول: كبيته، على مَا علم فِي مَوْضِعه.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: صالِحُ بنُ كَيْسَانَ أكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَهْوَ قَدْ أدْرَكَ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (صَالح بن كيسَان) هُوَ الْمَذْكُور فِي الإسنادين. قَوْله: (أكبر) أَي: أكبر سنا، كَانَ عمره مائَة وَسِتِّينَ سنة. قَوْله: (من الزُّهْرِيّ) يَعْنِي من مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. قَوْله: (وَهُوَ) أَي: صَالح ابْن كيسَان (قد أدْرك عبد الله بن عمر) ، يَعْنِي: أدْرك السماع مِنْهُ. وَأما الزُّهْرِيّ فمختلف فِي لقِيه لَهُ، وَالصَّحِيح أَنه لم يلقه وَإِنَّمَا يرْوى عَن أَبِيه سَالم عَنهُ، وَالْحَدِيثَانِ اللَّذَان وَقع فِي رِوَايَة معمر عَنهُ أَنه سمعهما من ابْن عمر ثَبت ذكر سَالم بَينهمَا فِي رِوَايَة غَيره.
٩٧٤١ - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ أبي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلى الناسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتَانِ والتَّمْرَةُ والتَّمْرَتانِ ولاكِنَّ المِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنىً يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فيَسْألُ النَّاسَ.
(انْظُر الحَدِيث ٦٧٤١ وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا يقوم فَيسْأَل النَّاس) .
وَرِجَاله تقدمُوا غير مرّة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ، وَقد مر الْكَلَام فِي مَعْنَاهُ