مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:(لَا يلبس الْقَمِيص) إِلَى آخِره، وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي آخر كتاب الْعلم فِي: بَاب من أجَاب السَّائِل بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن آدم عَن ابْن أبي ذِئْب عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمغايرة بَينهمَا فِي بعض الْمَتْن، فَإِنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذكر هَذِه الْأَشْيَاء هُنَاكَ بِصِيغَة الْإِفْرَاد، وَذكر هُنَا بِصِيغَة الْجمع، وَهُنَاكَ: فَإِن لم يجد النَّعْلَيْنِ وَهنا (وَلَا الْخفاف إِلَّا أحد لَا يجد نَعْلَيْنِ) وَهُنَاكَ: (وليقطعهما حَتَّى يَكُونَا تَحت الْكَعْبَيْنِ) وَهنا: (أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ) وَلَيْسَ هُنَاكَ: وَلَا تلبسوا ... إِلَى آخِره. ولنتكلم هُنَا على مَا لم يسْبق فِيمَا مضى.
فَقَوله:(قَالَ يَا رَسُول الله! مَا يلبس الْمحرم) وَسَيَأْتِي من طَرِيق اللَّيْث عَن نَافِع بِلَفْظ: مَاذَا تَأْمُرنَا أَن نلبس من الثِّيَاب فِي الْإِحْرَام؟ وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق عمر بن نَافِع عَن أَبِيه: مَا نلبس من الثِّيَاب إِذا أحرمنا؟ وَهَذَا يدل على أَن السُّؤَال عَن ذَلِك كَانَ قبل الْإِحْرَام. وَقد حكى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي بكر النَّيْسَابُورِي أَن فِي رِوَايَة ابْن جريج وَاللَّيْث عَن نَافِع أَن ذَلِك كَانَ فِي الْمَسْجِد. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب، وَمن طَرِيق عبد الْوَهَّاب بن عَطاء عَن عبد الله بن عون، كِلَاهُمَا عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: نَادَى رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب بذلك الْمَكَان، وَأَشَارَ نَافِع إِلَى مقدم الْمَسْجِد، فَذكر الحَدِيث، وَظهر من ذَلِك أَنه كَانَ فِي الْمَدِينَة. فَإِن قلت: قد وَقع فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْآتِي فِي أَوَاخِر الْحَج أنهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب بذلك فِي عَرَفَات. قلت: يحمل على التَّعَدُّد. قَوْله:(مَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب؟ قَالَ: لَا يلبس) إِلَى آخِره. قَالَ النَّوَوِيّ: قَالَت الْعلمَاء: هَذَا من بديع الْكَلَام وجزله، لِأَن مَا لَا يلبس منحصر، فَحصل التَّصْرِيح بِهِ، وَأما الملبوس الْجَائِز فَغير منحصر، فَحصل التَّصْرِيح بِهِ، وَأما الملبوس الْجَائِز فَغير منحصر فَقَالَ:(لَا يلبس) كَذَا ... أَي: ويلبس مَا سواهُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: سُئِلَ عَمَّا يلبس فَأجَاب بِمَا لَا يلبس، ليدل بالالتزام من طَرِيق الْمَفْهُوم على مَا يجوز، وَإِنَّمَا عدل عَن الْجَواب لِأَنَّهُ أخصر وأحصر. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: وَدَلِيله أَنه نبه بالقمص والسراويل على جَمِيع مَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَهُوَ مَا كَانَ مخيطا أَو مَعْمُولا على قدر الْبدن أَو الْعُضْو كالجوشن والتبان وَغَيرهمَا، وَنبهَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعمائم والبرانس على كل سَاتِر للرأس مخيطا كَانَ أَو غَيره، حَتَّى الْعِصَابَة فَإِنَّهَا حرَام. وَنبهَ بالخفاف على كل سَاتِر للرِّجل من مداس وجورب وَغَيرهَا. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: يُسْتَفَاد مِنْهُ أَن الْمُعْتَبر فِي الْجَواب مَا يحصل مِنْهُ الْمَقْصُود كَيفَ كَانَ، وَلَو بتغيير أَو زِيَادَة، وَلَا يشْتَرط الْمُطَابقَة، قَوْله وَلَا تشْتَرط الْمُطَابقَة. قلت: لَيْسَ على الْإِطْلَاق، بل الأَصْل اشْتِرَاطهَا وَلَكِن ثَمَّ مَوضِع يكون الْعُدُول عَنْهَا إِلَى غَيره وَهُوَ الأهم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس) وَنَحْو ذَلِك. قَوْله:(مَا يلبس الْمحرم؟) أَي: الرجل الْمحرم، وَالدَّلِيل على اخْتِصَاص الحكم بِالرِّجَالِ تَوْجِيه الْخطاب نحوهم بقوله: وَلَا تلبسوا. فَإِن قلت: وَاو الضَّمِير يسْتَعْمل متْنا، و: لَا، للقبيلتين على التغليب. قلت: نعم، وَلَكِن فِيهِ اخْتِصَاص بالمذكرين، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ فِي آخر حَدِيث اللَّيْث الْآتِي فِي آخر الْحَج:(وَلَا تنتقب الْمَرْأَة) . قَوْله:(وَلَا يلبس) ، خبر فِي معنى النَّهْي. قَوْله:(القمص) ، بِضَم الْقَاف وَسُكُون الْمِيم وَضمّهَا جمع: قَمِيص، وَيجمع أَيْضا على أقمصة وقمصان. قَوْله:(والعمائم) جمع عِمَامَة، يُقَال: اعتمَّ بالعمامة وتعمم بهَا، والسراويلات جمع سَرَاوِيل، والبرانس جمع برنس، وَهُوَ كل ثوب رَأسه مِنْهُ ملتزق بِهِ من ذراعه، أَو جُبَّة أَو ممطر أَو غَيره. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ قلنسوة طَوِيلَة كَانَ النساك يلبسونها فِي صدر الْإِسْلَام، وَهُوَ من البرس، بِكَسْر الْبَاء، وَهُوَ الْقطن، وَالنُّون زَائِدَة، وَقيل: إِنَّه غير عَرَبِيّ، والخفاف، بِكَسْر الْخَاء: جمع خف. قَوْله:(إلَاّ أحد) ، الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مَحْذُوف تَقْدِيره: لَا يلبس الْمحرم الْخُفَّيْنِ إلَاّ أحد لَا يجد نَعْلَيْنِ فَإِنَّهُ يلبس الْخُفَّيْنِ بِشَرْط أَن يقطعهما حَتَّى يَكُونَا تَحت الْكَعْبَيْنِ فَيكون حِينَئِذٍ كالنعلين. وَقَوله:(لَا يجد نَعْلَيْنِ) فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ صفة لأحد. قيل: فِيهِ دَلِيل على أَن لفظ: أحد، يجوز اسْتِعْمَاله فِي الْإِثْبَات خلافًا لمن قَالَ: لَا يجوز ذَلِك إلَاّ لضَرُورَة الشّعْر، وَالْمرَاد من قَوْله: (وليقطعهما أَسْفَل