من الْكَعْبَيْنِ) كشف الْكَعْبَيْنِ فِي الْإِحْرَام، وهما العظمان الناتئان عِنْد مفصل السَّاق والقدم، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن جرير عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، قَالَ: إِذا اضْطر الْمحرم إِلَى الْخُفَّيْنِ خرق ظهورهما وَترك فيهمَا قدر مَا يسْتَمْسك رِجْلَاهُ. وَقَالَ بَعضهم: وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَمن تبعه من الْحَنَفِيَّة: الكعب هُنَا هُوَ الْعظم الَّذِي فِي وسط الْقدَم عِنْد معقد الشرَاك. وَقيل: إِن ذَلِك لَا يعرف عِنْد أهل اللُّغَة. قلت: الَّذِي قَالَ: لَا يعرف عِنْد أهل اللُّغَة، هُوَ ابْن بطال، وَالَّذِي قَالَه هُوَ لَا يعرف، وَكَيف وَالْإِمَام مُحَمَّد بن الْحسن إِمَام فِي اللُّغَة والعربية؟ فَمن أَرَادَ تَحْقِيق صدق هَذَا فَلْينْظر فِي مُصَنفه الَّذِي وَضعه على أوضاع يعجز عَنهُ الفحول من الْعلمَاء والأساطين من الْمُحَقِّقين، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ (الْجَامِع الْكَبِير) وَالَّذِي قَالَه هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْأَصْمَعِي، قَالَه الإِمَام فَخر الدّين. قَوْله:(لَا تلبسوا) يدْخل فِيهِ الْإِنَاث أَيْضا، ذكره ليشْمل الذُّكُور وَالْإِنَاث. قَوْله:(مَسّه الزَّعْفَرَان) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِي مَحل النصب على أَنه صفة لقَوْله: (شَيْئا) ، والزعفران إسم أعجمي، وَقد صرفته الْعَرَب فَقَالُوا: ثوب مزعفر، وَقد زعفر ثَوْبه يزعفره زعفرة، وَيجمع على: زعافر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا أعلمهُ ينْبت شَيْء مِنْهُ من أَرض الْعَرَب، والورس، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره سين مُهْملَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الورس يزرع بِأَرْض الْيمن زرعا، وَلَا يكون بِغَيْر الْيمن، وَلَا يكون مِنْهُ شَيْء بريا، ونباته مثل حب السمسم، فَإِذا جف عِنْد إِدْرَاكه تفتق فينفض مِنْهُ الورس ويزرع سنة فيجلس عشر سِنِين أَن يُقيم فِي الأَرْض ينْبت ويثمر. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الورس نبت أصفر يكون بِالْيمن يتَّخذ مِنْهُ الغمرة للْوَجْه، تَقول مِنْهُ: أورس الْمَكَان وورست الثَّوْب توريسا: صبغته بالورس، وَمِلْحَفَة وريسة: صبغت بالورس. وَقَالَ ابْن بيطار فِي (جَامعه) : يُؤْتى بالورس من الصين واليمن والهند وَلَيْسَ بنبات يزرع كَمَا زعم من زعم، وَهُوَ يشبه زهر العصفر، وَمِنْه شَيْء يشبه نشارة البابونج، وَمِنْه شَيْء يشبه البنفسج، وَيُقَال: إِن الكركم عروقه.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه:
الأول: يحرَّم على الْمحرم لبس الْقَمِيص، وَنبهَ بِهِ فِي الحَدِيث على كل مخيط من كل مَعْمُول على قدر الْبدن أَو الْعُضْو، وَذَلِكَ مثل الْجُبَّة والقفازين، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: بَاب مَا جَاءَ فِي الَّذِي يُحْرم وَعَلِيهِ قَمِيص أَو جُبَّة، ثمَّ قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعد حَدثنَا عبد الله بن إِدْرِيس عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء عَن يعلى بن أُميَّة. قَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْرَابِيًا قد أحرم وَعَلِيهِ جُبَّة، فَأمره أَن يَنْزِعهَا. وَفِي بعض طرقه: قَمِيص، بدل: الْجُبَّة، وَهِي رِوَايَة (الْمُوَطَّأ) . وَفِي رِوَايَة مقطعات، وَفِي أُخْرَى: أَخْلَاق، والقصة وَاحِدَة، وَلَا يجب قطع الْقَمِيص والجبة على الْمحرم إِذا أَرَادَ نَزعهَا، بل لَهُ أَن ينْزع ذَلِك من رَأسه وَإِن أدّى إِلَى الْإِحَاطَة بِرَأْسِهِ، خلافًا لمن قَالَ: يشقه، وَهُوَ قَول الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ، ويروى ذَلِك أَيْضا عَن الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير، وَذهب الْجُمْهُور إِلَى جَوَاز نزع ذَلِك من الرَّأْس، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ، والْحَدِيث حجَّة لَهُم، وَلَو ارتدى بالقميص لَا يضرّهُ.
الثَّانِي: يحرّم عَلَيْهِ السَّرَاوِيل وَلَا يجب عَلَيْهِ قطعه عِنْد عدم الْإِزَار، كَمَا ورد فِي الْخُف، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَهُوَ الْأَصَح عِنْد أَكثر الشَّافِعِيَّة، قَالَه الرَّافِعِيّ. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ: إِنَّه لَا يجوز لبس السَّرَاوِيل إلَاّ إِذا لم يتأت فتقه وَجعله إزارا، فَإِن تأتى ذَلِك لم يجز لبسه، فَإِن لبسه لزمَه الْفِدْيَة. قَالَ الْخطابِيّ: ويحكى عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: يشق السَّرَاوِيل ويتزر بِهِ، وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ، فَإِن لم يجد رِدَاء فَلَا بَأْس أَن يشق قَمِيصه ويرتدي بِهِ، وَإِذا لم يجد الْإِزَار فتق السَّرَاوِيل، فَإِن لبسه وَلم يفتقه لزمَه دم.