ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن من سَاق الْهَدْي لَا يتَحَلَّل من عمل الْعمرَة حَتَّى يهلَّ بِالْحَجِّ ويفرغ مِنْهُ. وَفِيه: أَنه لَا يحل حَتَّى ينْحَر هَدْيه، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد. وَفِيه: اسْتِحْبَاب التلبيد والتقليد. وَفِيه: دَلِيل أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ قَارنا لِأَن ثمَّة عمْرَة. قَالَ الْكرْمَانِي: فَمَا دخل التلبيد فِي الْإِحْلَال وَعَدَمه؟ ثمَّ أجَاب بقوله: الْغَرَض بَيَان: أَنِّي مستعد من أول الْأَمر بِأَن يَدُوم إحرامي إِلَى أَن يبلغ الْهَدْي مَحَله.
٧٦٥١ - حدَّثنا آدمُ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ أخبرَنا أبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ تَمَتَّعْتُ فنَهَانِي ناسٌ فسألْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فأمرَنِي فرَأيْتُ فِي المَنامِ كأنَّ رجُلاً يَقُولْ لِي حَجٌّ مَبْرُورٌ وعُمْرَةٌ مُتَقَبِّلَةٌ فأخبرْتُ ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ سُنَّةُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي أقِمْ عِنْدِي فأجْعَلَ لَكَ سَهْما مِنْ مَالِي قَالَ شُعْبَةُ فقُلْتُ لِمَ فَقَالَ لِلرُّؤيَا الَّتِي رأيْتُ.
(الحَدِيث ٧٦٥١ طرفه فِي: ٨٨٦١) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأمرنِي) ، أَي: ابْن عَبَّاس أَمرنِي بالتمتع.
وَرِجَاله قد ذكرُوا، وَأَبُو جَمْرَة، بِالْجِيم وبالراء: اسْمه نصر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة: الضبعِي، بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر فِي: بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَأخرجه مُسلم عَن ابْن الْمثنى وَابْن بشار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فَأمرنِي) ، أَي: فَأمرنِي ابْن عَبَّاس بالتمتع، وَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة فِي زمن عبد الله بن الزبير، وَكَانَ ينْهَى عَن التَّمَتُّع كَمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن الزبير عَنهُ، وَعَن جَابر، وَنقل ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن الزبير: أَنه كَانَ لَا يرى التَّمَتُّع إلَاّ للمحصر، وَوَافَقَهُ عَلْقَمَة وَإِبْرَاهِيم، وَقَالَ الْجُمْهُور: لَا اخْتِصَاص بذلك للمحصر. قَوْله: (حج مبرور) ارْتِفَاع حج على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذَا حج، ومبرور، صفته أَي: مَقْبُول، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَمُسلم من طَرِيق غنْدر (عَن شُعْبَة: فَأتيت ابْن عَبَّاس فَسَأَلته عَن ذَلِك، فَأمرنِي بهَا ثمَّ انْطَلَقت إِلَى الْبَيْت فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ: عمْرَة متقبلة وَحج مبرور. قَالَ: فَأتيت ابْن عَبَّاس فَأَخْبَرته بِالَّذِي رَأَيْت، فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر سنة أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . قَوْله: (سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَلَام إضافي مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، تَقْدِيره: هَذِه سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيجوز فِيهِ النصب على تَقْدِير: وَافَقت سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله: (فَقَالَ لي) أَي: قَالَ لي ابْن عَبَّاس. قَوْله: (فأجعل لَك) أَي: فَأَنا أجعَل لَك، ويروى: وَأَجْعَل لَك، بِالْوَاو الَّتِي تدل على الْحَال، ويروى: اجْعَل، بِدُونِ الْفَاء وَالْوَاو. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا: إجعل، بِالنّصب. قلت: وَجهه أَن يكون مَنْصُوبًا بِأَن الْمقدرَة أَي: بِأَن أجعَل لَك، وَيجوز الْجَزْم بِأَن يكون جَوَابا لِلْأَمْرِ، قَوْله: (سَهْما) ، أَي: نَصِيبا. قَوْله: (قَالَ شُعْبَة: فَقلت) ، يَعْنِي لأبي جَمْرَة. قَوْله: (لِمَ؟) اسْتِفْهَام عَن سَبَب ذَلِك. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: أَبُو جَمْرَة. قَوْله: (للرؤيا) أَي: لأجل الرُّؤْيَا الْمَذْكُورَة الَّتِي رَأَيْت، وَهُوَ بِلَفْظ الْمُتَكَلّم، وَسَببه أَن الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة.
وَفِيه: مَا كَانُوا عَلَيْهِ من التعاون على الْبر وَالتَّقوى، وحمدهم لمن يفعل الْخَيْر، فخشي أَبُو جَمْرَة من تمتعه هبوط الْأجر وَنقص الثَّوَاب للْجمع بَينهمَا فِي سفر وَاحِد، وإحرام وَاحِد، وَكَانَ الَّذين أمروا بِالْإِفْرَادِ إِنَّمَا أَمرُوهُ بِفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خَاصَّة نَفسه لينفرد الْحَج وَحده، ويخلص عمله من اشْتِرَاك فِيهِ، فَأرَاهُ الله الرُّؤْيَا ليعرفه أَن حجه مبرور وعمرته متقبلة، وَلذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس: أقِم عِنْدِي ليقص على النَّاس هَذِه الرُّؤْيَا المبينة لحَال التَّمَتُّع. وَفِيه: دَلِيل الرُّؤْيَا الصادقة شاهدة على أُمُور الْيَقَظَة، وَكَيف لَا وَهُوَ جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة؟ وَفِيه: أَن الْعَالم يجوز لَهُ أَخذ الْأُجْرَة على الْعلم.
٨٦٥١ - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا أبُو شِهابٍ قَالَ قَدِمْتُ مُتَمَتِّعا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلاثَةِ أيَّامٍ فَقَالَ لي أناسٌ مِنْ أهْلِ مَكَّةَ تَصيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكّيَّةً فَدَخَلْتُ عَلَى عَطاءٍ أسْتَفْتِيهِ فَقَالَ حدَّثني جابرُ بنُ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّهُ حَجَّ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ ساقَ البُدْنَ معَهُ وقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute