ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بُنيان الْكَعْبَة عَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق. وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن حَاتِم. كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن بكر وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَمُحَمّد بن رَافع، كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق، وَهَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل جَابر لِأَنَّهُ لم يدْرك هَذِه الْقِصَّة، وَلَكِن يحْتَمل أَن يكون سَمعهَا من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو مِمَّن حضرها من الصَّحَابَة. وَفِي (التَّوْضِيح) : ومرسله حجَّة، وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب كَرَاهِيَة التعري فِي الصَّلَاة، فَإِن البُخَارِيّ أخرجه هُنَاكَ عَن مطر بن الْفضل عَن روح عَن زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق (عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: سَمِعت جَابر بن عبد الله يحدث: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينْقل مَعَهم الْحِجَارَة للكعبة وَعَلِيهِ إزَاره) الحَدِيث.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لما بنيت الْكَعْبَة) اشتقاق الْكَعْبَة من الكعب، وكل شَيْء علا وارتفع فَهُوَ كَعْب، وَمِنْه سميت الْكَعْبَة للبيت الْحَرَام لارتفاعه وعلوه، وَقيل: سميت بِهِ لتكعبها أَي: تربيعها. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام، سمي بذلك لتربيعه. وَعَن مقَاتل: سميت كعبة لانفرادها من الْبناء، وَسمي الْبَيْت الْحَرَام لِأَن الله تَعَالَى حرمه وعظمه، وَأما مَكَّة فَهُوَ اسْم بَلْدَة فِي وَاد بَين غير ذِي زرع، وَقَالَ السُّهيْلي: أما مَكَّة فَمن تمككت الْعظم، أَي: اجتذبت مَا فِيهِ من المخ، وتمكك الفصيل مَا فِي ضرع النَّاقة، فَكَأَنَّهَا تحتذب مَا من نَفسهَا فِي الْبِلَاد والأقوات الَّتِي تأتيها فِي المواسم، وَقيل: لما كَانَت فِي بطن وادٍ فَهِيَ تمكك المَاء من جبالها وأخشابها عِنْد نزُول الْمَطَر، وتنجذب إِلَيْهَا السُّيُول. وَقَالَ الصغاني: مَكَّة الْبَلَد الْحَرَام واشتقاقها من: مك الصَّبِي ثدي أمه يمكه مكا إِذا استقصى مصه، وَسميت مَكَّة لقلَّة المَاء بهَا، وَلِأَنَّهُم يمتكون المَاء أَي: يستخرجونه باستقصاء. وَيُقَال: سميت مَكَّة، لِأَنَّهَا كَانَت تبك من ظلمَ بهَا، أَي: تهلكه. وَيُقَال أَيْضا: بكة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيل: بكة اسْم مَوضِع الطّواف، وَقيل: بكة مَكَان الْبَيْت، وَمَكَّة سَائِر الْبَلَد، وَسميت بكة لِأَن النَّاس يبك بَعضهم بَعْضًا فِي الطّواف، أَي: يدْفع. وَقيل: لِأَنَّهَا تبك أَعْنَاق الْجَبَابِرَة إِذا ألحدوا فِيهَا بظُلْم، وَقيل: من المتباك وَهُوَ الإزدحام، قَالَ الراجز:
الأكة، بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْكَاف: الشدَّة، وَقَالَ الْعُتْبِي: مَكَّة وبكة شَيْء وَاحِد، وَالْبَاء تبدل من الْمِيم كثيرا، ولمكة أسامي: مِنْهَا: الناسة، بالنُّون وَالسِّين الْمُهْملَة: من النس، سميت لقلَّة مَائِهَا، وَفِي (الْمُنْتَخب) : الكراع النساسة، وَعَن الْأَعرَابِي: النباسة، وَعند الْخطابِيّ: الباسة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، ويروى: الناشة، بالنُّون والشين الْمُعْجَمَة: تنش من ألحد فِيهَا، أَي: تطرده وتنفيه. وَمِنْهَا: الراس، وَصَلَاح، وَأم صبح وَأم رحم، بِضَم الْحَاء وسكونها وَأم رحم وَأم زحم بالزاي من الازدحام فِيهَا. وطيبة ونادر وَأم الْقرى والحاطمة وَالْعرش. والقادس، والمقدسة، وسماها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّته: الْبَلدة، وَفِي (أمالي ثَعْلَب) : عَن ابْن الْأَعرَابِي، سَأَلَ رجل عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من أهلكم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ عَليّ: نَحن قوم من كوثى، فَقَالَت طَائِفَة: أَرَادَ كوثى، وَهِي الْمَدِينَة الَّتِي ولد بهَا إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَت طَائِفَة: أَرَادَ بكوثى مَكَّة، وَذَلِكَ لِأَن محلّة بني عبد الدَّار يُقَال لَهَا: كوثى، مَشْهُورَة عِنْد الْعَرَب، فَأَرَادَ بقوله: كوثى أَنا مكيون من أم الْقرى، وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِي أول من بناها.
قَوْله:(إجعل إزارك على رقبتك) ، وَفِي (صَحِيح الْإِسْمَاعِيلِيّ) من حَدِيث عبد الرَّزَّاق أَنبأَنَا ابْن جريج، (وَأَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار، سمع جَابِرا لما بنت قُرَيْش الْكَعْبَة ذهب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعباس ينقلان الْحِجَارَة، فَقَالَ عَبَّاس للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إجعل إزارك على رقبتي من الْحِجَارَة، فَفعل، فَخر إِلَى الأَرْض وطمحت. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: قد جعل عبد الرَّزَّاق وضع الْإِزَار