على رَقَبَة الْعَبَّاس. قَوْله: (فَخر إِلَى الإرض) ، من الخرور، وَهُوَ الْوُقُوع، وَفِي رِوَايَة زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن دِينَار الَّذِي مضى فِي: بَاب كَرَاهِيَة التعري فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة، (فَحله فَجعله على مَنْكِبَيْه فَسقط مغشيا عَلَيْهِ) . وَفِي (طَبَقَات ابْن سعد) من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، دخل حَدِيث بَعضهم فِي حَدِيث بعض (قَالُوا: بَينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينْقل مَعَهم الْحِجَارَة يَعْنِي للبيت، وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن خمس وَثَلَاثِينَ سنة، وَكَانُوا يضعون أزرهم على عواتقهم ويحملون الْحِجَارَة، فَفعل ذَلِك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فلبط: (أَي: سقط) من قيام، وَنُودِيَ: عورتك، فَكَانَ ذَلِك أول مَا نُودي، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالب: يَا ابْن أخي، إجعل إزارك على رَأسك، فَقَالَ: مَا أصابني إلَاّ فِي تعري) . وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي وَالِدي عَمَّن حَدثهُ عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ، فِيمَا يذكر من حفظ الله تَعَالَى إِيَّاه إِنِّي لمع غلْمَان وهم أسناني، قد جعلنَا أزرنا على أعناقنا لحجارة نلقها إِذْ لكمني لاكم لكمة شَدِيدَة، ثمَّ قَالَ: اشْدُد عَلَيْك إزارك، وَعند السُّهيْلي فِي خبر آخر: لما سقط ضمه الْعَبَّاس إِلَى نَفسه وَسَأَلَهُ عَن شَأْنه، فَأخْبرهُ أَنه نُودي من السَّمَاء: أَن اشْدُد عَلَيْك إزارك يَا مُحَمَّد، قَالَ: وَإنَّهُ أول مَا نُودي. وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) من حَدِيث سماك بن حَرْب، (عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: حَدثنِي الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: لما بنت قُرَيْش الْكَعْبَة انفردنا رجلَيْنِ رجلَيْنِ ينقلون الْحِجَارَة، وَكنت أَنا وَابْن أخي، فَجعلنَا نَأْخُذ أزرنا فنضعها على مناكبنا، ونجعل عَلَيْهَا الْحِجَارَة، فَإِذا دنونا من النَّاس لبسنا أزرنا، فَبَيْنَمَا هُوَ أَمَامِي إِذْ صرع، فسعيت وَهُوَ شاخص ببصره إِلَى السَّمَاء، قَالَ فَقلت: يَا ابْن أخي مَا شَأْنك؟ قَالَ: نهيت أَن أَمْشِي عُريَانا، قَالَ: فكتمته حَتَّى أظهر الله نبوته) . وَرَوَاهُ أَبُو نعيم من طَرِيق النَّضر أبي عمر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ فِيهِ الْعَبَّاس، وَقَالَ فِي آخِره: (فَكَانَ أول شَيْء رأى من النُّبُوَّة) ، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَكَانَ ابْن عَبَّاس أَرَادَ بقوله: أول شَيْء رأى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النُّبُوَّة أَن قيل لَهُ: استتر، وَهُوَ غُلَام، هَذِه الْقِصَّة، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن لَهِيعَة عَن أبي الزبير، قَالَ: سَأَلت جَابِرا: هَل يقوم الرجل عُريَانا؟ فَقَالَ: أَخْبرنِي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه لما انْهَدَمت الْكَعْبَة نقل كل بطن من قُرَيْش، وَأَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نقل مَعَ الْعَبَّاس: رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَانُوا يضعون ثِيَابهمْ على الْعَوَاتِق، فيتقوون بهَا أَي: عل حمل الْحِجَارَة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فاعتقلت رجْلي، فحررت وَسقط ثوبي، فَقلت للْعَبَّاس: هَلُمَّ ثوبي فلست أتعرى بعْدهَا إلَاّ لغسل. وَابْن لَهِيعَة فِيهِ مقَال، وَفِي رِوَايَة أَن الْملك نزل فَشد عَلَيْهِ إزَاره. قَوْله: (فطمحت عَيناهُ) أَي: شخصتا وارتفعتا، وَقَالَ ابْن سَيّده: طمح ببصره يطمح طمحا، شخص وَقيل، رمي بِهِ إِلَى الشَّيْء، وَرجل طماح بعيد الطّرف، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن أبي جريج فِي أَوَائِل (السِّيرَة النَّبَوِيَّة) : ثمَّ أَفَاق. قَوْله: (أَرِنِي إزَارِي) ، قَالَ ابْن التِّين: ضَبطه بِإِسْكَان الرَّاء وبكسرها، قَالَ وَالْكَسْر أحسن عِنْد بعض أهل اللُّغَة، لِأَن مَعْنَاهُ: أَعْطِنِي، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ من الرُّؤْيَة، وَوَقع فِي (شرح ابْن بطال) : إزَارِي إزَارِي، مكررا وَمَعْنَاهُ صَحِيح إِن ساعدته الرِّوَايَة، قَوْله: (فشده عَلَيْهِ) زَاد زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق: (فَمَا رُؤِيَ بعد ذَلِك عُريَانا) .
٣٨٥١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مَالِكٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سالِمِ بنِ عبدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ مُحَمَّدٍ بنِ أبي بَكْرَ أخبر عبدَ الله بنَ عُمَرَ عَن عائشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَها ألَمْ تَرَيْ أنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنُوا الكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فقُلْتُ يَا رَسولَ الله أَلا تَرُدُّهَا عَلى قَوَاعِدِ إبرَاهِيمَ قَالَ لَوْلا حِدْثانُ قومِكِ بِالكُفْرِ لفَعلْتُ. فَقَالَ عَبْدُ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَئِنْ كانتْ عائِشةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا سَمِعَتْ هاذا مِنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أُرَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترَكَ استِلَامَ الرُّكْعَتَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيانِ الحِجْرَ إلَاّ أنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَواعِدِ إبْرَاهِيمَ..
حَدِيث عَائِشَة هَذَا رَوَاهُ من أَرْبَعَة طرق على مَا يَأْتِي، فَإِن قلت: مَا وَجه إِيرَاده فِي: بَاب فضل مَكَّة، والْحَدِيث فِي شَأْن الْكَعْبَة؟ قلت: قد ذكرنَا فِي أول الْبَاب أَن بُنيان الْكَعْبَة، لما كَانَ سَببا لبنيان مَكَّة، اكْتفى بِهِ، وَمَا كَانَ من فضل الْكَعْبَة فمكة دَاخِلَة فِيهِ، وَالله تَعَالَى ذكر فضل مَكَّة فِي غير مَوضِع من كِتَابه، وَمن أعظم فَضلهَا أَنه، عز وَجل، فرض على عباده حَجهَا، وألزمهم قَصدهَا، وَلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute