يقبل من أحد صَلَاة إِلَّا باستقبالها، وَهِي قبْلَة أهل دينه أَحيَاء وأمواتا.
وَرِجَال هَذَا الطَّرِيق قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبيد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَعَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي وَأبي الطَّاهِر ابْن السَّرْح، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ، وَفِي الْعلم وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن سَلمَة، والْحَارث بن مِسْكين كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر) ، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: أبي بكر بن قُحَافَة. قَوْله:(أخبر عبد الله بن عمر) بِنصب، عبد الله على المفعولية، وَالْفَاعِل مُضْمر. قَوْله:(عَن عَائِشَة) ، مُتَعَلق بقوله:(أخبر) ، وَظَاهر هَذَا الْكَلَام يَقْتَضِي حُضُور سَالم، لذَلِك فَيكون من رِوَايَته عَن عبد الله بن مُحَمَّد. قَوْله:(ألم تري) أَي: ألم تعرفي. قَوْله:(أَن قَوْمك) ، هم قُرَيْش. قَوْله:(اقتصروا عَن قَوَاعِد إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام) وَالْقَوَاعِد جمع قَاعِدَة، وَهِي الأساس أصل ذَلِك، وَمَا روى (عَن عبد الله بن عمر قَالَ: لما أهبط الله تَعَالَى آدم من الْجنَّة، قَالَ: إِنِّي مهبط مَعَك أَو منزل مَعَك بَيْتا يُطَاف حوله، كَمَا يُطَاف حول عَرْشِي وَيصلى عِنْده، كَمَا يصلى عِنْد عَرْشِي، فَلَمَّا كَانَ زمن الطوفان رفع، فَكَانَت الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، يحجونه وَلَا يعلمُونَ مَكَانَهُ حَتَّى بوأه الله تَعَالَى لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وأعلمه مَكَانَهُ) . فبناه من خَمْسَة أجبل كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَعَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد وَغَيره من أهل الْعلم أَن الله تَعَالَى لما بوأ لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَكَان الْبَيْت خرج إِلَيْهِ من الشَّام وَمَعَهُ إِسْمَاعِيل، وَأمه وَهُوَ طِفْل يرضع، وحملوا على الْبراق، وَمَعَهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، يدله على مَوَاضِع الْبَيْت، ومعالم الْحرم، فَكَانَ لَا يمر بِقُرْبِهِ إلَاّ قَالَ: بِهَذِهِ أمرت يَا جِبْرِيل؟ فَيَقُول: جِبْرِيل أمضه حَتَّى قدم بِهِ مَكَّة وَهِي إِذْ ذَاك عضاه سلم وَسمر وَبهَا أنَاس، وَيُقَال لَهُم: العماليق، خَارج مَكَّة وَمَا حولهَا، وَالْبَيْت يَوْمئِذٍ ربوة حَمْرَاء مَدَرَة، فَقَالَ إِبْرَاهِيم لجبريل، عَلَيْهِمَا السَّلَام، أههنا أمرت أَن أضعهما، قَالَ: نعم فَعمد بهما إِلَى مَوضِع الْحجر، فأنزلهما فِيهِ وَأمر هَاجر أَن تتَّخذ فِيهِ عَرِيشًا ثمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى أَهله، والقصة طَوِيلَة عرفت فِي موضعهَا. ثمَّ إِنَّه بدا لإِبْرَاهِيم فَقَالَ لأَهله: أَنِّي مطلع تركتي، فجَاء فَوَافَقَ إِسْمَاعِيل من وَرَاء زَمْزَم يصلح نبْلًا لَهُ، فَقَالَ يَا إِسْمَاعِيل: إِن رَبك، عز وَجل، أَمرنِي أَن أبني لَهُ بَيْتا، فَقَالَ: أطع رَبك، عز وَجل، قَالَ: إِنَّه أَمرنِي أَن تعينني عَلَيْهِ، قَالَ: إِذا افْعَل أَو كَمَا قَالَ، قَالَ: فَقَامَ فَجعل إِبْرَاهِيم يَبْنِي وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة، وَعَن السّديّ أخذا المعاول لَا يدريان أَيْن الْبَيْت، فَبعث الله ريحًا يُقَال لَهَا: الحجوج، لَهَا جَنَاحَانِ وَرَأس فِي صُورَة حَيَّة، فدلت لَهما مَا حول الْبَيْت على أساس الْبَيْت الأول، واتبعاها بالمعاول يحفران حَتَّى وضعا الأساس، فَلَمَّا بنيا الْقَوَاعِد وبلغا مَكَان الرُّكْن قَالَ: يَا إِسْمَاعِيل، أطلب لي حجرا حسنا أَضَعهُ هُنَا، قَالَ: يَا أبه، إِنِّي لغب. قَالَ: عَليّ ذَلِك، فَانْطَلق يتطلب حجرا، وَجَاء جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْحجرِ الْأسود من الْهِنْد، وَكَانَ ياقوتة بَيْضَاء مثل النعامة، وَكَانَ آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، هَبَط بِهِ من الْجنَّة، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيل الْحجر، قَالَ: يَا أبه من جَاءَك بِهَذَا؟ قَالَ: من هُوَ أنشط مِنْك. وَفِي (الدَّلَائِل) للبيهقي: عَن عبد الله بن عَمْرو: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعث الله عز وَجل، جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى آدم وحواء عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ لَهما: ابنيا لي بَيْتا، فحط لَهما جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَجعل آدم يحْفر، وحواء تنقل حَتَّى أَصَابَهُ المَاء نُودي من تَحت حَسبك يَا آدم، فَلَمَّا بناه أوحى الله إِلَيْهِ أَن يطوف بِهِ، وَقيل لَهُ: أَنْت أول النَّاس، وَهَذَا أول بَيت، ثمَّ تناسخت الْقُرُون حَتَّى حجه نوح. عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ تناسخت الْقُرُون حَتَّى رفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْهُ. وَفِي كتاب (التيجان) : لما عَبث قوم نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وهدموا الْكَعْبَة قَالَ الله تَعَالَى لَهُ: انْتظر الْآن هلاكهم إِذا فار التَّنور. وَفِي كتاب الْأَزْرَقِيّ: جعل إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، طول بِنَاء الْكَعْبَة فِي السَّمَاء تِسْعَة أَذْرع، وطولها فِي الأَرْض ثَلَاثِينَ ذِرَاعا، وعرضها فِي الأَرْض اثْنَيْنِ وَعشْرين ذِرَاعا، وَكَانَت بِغَيْر سقف، وَلما بنتهَا قُرَيْش جعلُوا طولهَا ثَمَانِي عشر ذِرَاعا فِي السَّمَاء، ونقصوا من طولهَا فِي الأَرْض سِتَّة أَذْرع وشير، وتركوها فِي الْحجر، وَلما بناها ابْن الزبير جعل طولهَا فِي السَّمَاء عشْرين ذِرَاعا، وَلم يُغير الْحجَّاج طولهَا حِين هدمها، وَهُوَ إِلَى الْآن على ذَلِك، وَقيل: إِنَّه بنى فِي أَيَّام جرهم مرّة أَو مرَّتَيْنِ، لِأَن السَّيْل كَانَ قد صدع حَائِطه، وَقيل: لم يكن بنيانا إِنَّمَا كَانَ إصلاحا لما وهى مِنْهُ، وجدار بني