بَينه وَبَين السَّيْل بناه عَامر الجادر.
وَعَن عَليّ، لما بناه إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مر عَلَيْهِ الدَّهْر فانهدم، فبنته جرهم، فَمر عَلَيْهِ الدَّهْر فانهدم، فبنته قُرَيْش وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْمئِذٍ شَاب. وَصحح الْحَاكِم أصل هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن شهَاب: لما بلغ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْحلم أجمرت امْرَأَة الْكَعْبَة، فطارت شرارة من مجمرتها فِي بَاب الْكَعْبَة، فاحترقت، فهدموها. فَلَمَّا اخْتلفُوا فِي وضع الرُّكْن دخل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ غُلَام عَلَيْهِ وشاح نمرة، فحكموه فَأمر بِثَوْب ... الحَدِيث، وَفِيه: فَوَضعه هُوَ فِي مَكَانَهُ ثمَّ طفق لَا يزْدَاد على ألسن الأَرْض حَتَّى دَعوه الْأمين، وَعند مُوسَى بن عقبَة: كَانَ بنيانها قبل الْبعْثَة بِخمْس عشرَة سنة، وَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد وَعُرْوَة وَمُحَمّد بن جُبَير بن مطعم وَغَيرهم. وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي (السِّيرَة) : وَلما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَثَلَاثِينَ أَجمعت قُرَيْش لبنيان الْكَعْبَة، وَكَانُوا يهمون لذَلِك ليسقفوها ويهابون هدمها، وَإِنَّمَا كَانَت رضما فَوق الْقَامَة، فأرادوا رَفعهَا وتسقيفها، وَذَلِكَ أَن نَفرا سرقوا كنز الْكَعْبَة، وَإِنَّمَا يكون فِي بِئْر فِي جَوف الْكَعْبَة، وَكَانَ الَّذِي وجد عِنْده الْكَنْز دويك مولى بني مليح بن عَمْرو من خُزَاعَة، فَقطعت قُرَيْش يَده، وَيَزْعُم النَّاس أَن الَّذين سَرقُوهُ وضعوه عِنْد دويك، وَكَانَ الْبَحْر قد رمى بسفينة إِلَى جدة لرجل من تجار الرّوم فتحطمت فَأخذُوا خشبها فأعدوه لتسقيفها، وَكَانَ بِمَكَّة رجل قبْطِي نجار فتهيأ لَهُم، فِي أنفسهم بعض مَا يصلحها، وَكَانَت حَيَّة تخرج من بِئْر الْكَعْبَة الَّتِي كَانَت تطرح فِيهَا مَا يهدى لَهَا كل يَوْم، فتشرف على جِدَار الْكَعْبَة، وَكَانَت مِمَّا يهابون ذَلِك أَنه كَانَ لَا يدنو مِنْهَا أحد إلَاّ أخزلت، وكشطت وَفتحت فاها، وَكَانُوا يهابونها، فَبَيْنَمَا هِيَ يَوْم تشرف على جِدَار الْكَعْبَة، كَمَا كَانَت تصنع بعث الله إِلَيْهَا طائرا، فاختطفها، فَذهب بهَا فَقَالَت قُرَيْش: إِنَّا لنَرْجُو أَن يكون الله تَعَالَى، رَضِي مَا أردنَا، عندنَا عَامل رَفِيق، وَعِنْدنَا خشب، وكفانا الله الْحَيَّة، ثمَّ اجْتمعت الْقَبَائِل من قُرَيْش فَجمعُوا الْحِجَارَة لبنائها، كل قَبيلَة على حِدة، ثمَّ بنوها حَتَّى بلغ الْبُنيان مَوضِع الرُّكْن، يَعْنِي: الْحجر الْأسود، فاختصموا فِيهِ، كل قَبيلَة تُرِيدُ أَن ترفعه إِلَى مَوْضِعه دون الْأُخْرَى، فآخر الْأَمر إِن أَبَا أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمرَان بن مَخْزُوم كَانَ عامئذ أسن قُرَيْش كلهم، فَقَالَ: يَا معشر قُرَيْش إجعلوا بَيْنكُم فِيمَا تختلفون فِيهِ أول من يدْخل من بَاب هَذَا الْمَسْجِد يقْضِي بَيْنكُم فِيهِ، فَقَالُوا: وَكَانَ أول دَاخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الْأمين رَضِينَا، هَذَا مُحَمَّد، فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ الْخَبَر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَلُمَّ إليَّ ثوبا، فأُتي لَهُ، فَأخذ الرُّكْن يَعْنِي: الْحجر الْأسود فَوَضعه فِيهِ بِيَدِهِ، ثمَّ قَالَ: لتأْخذ كل قَبيلَة بِنَاحِيَة من الثَّوْب، ثمَّ ارفعوه جَمِيعًا، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذا بلغُوا بِهِ مَوْضِعه وَضعه هُوَ بِيَدِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (لَوْلَا حدثان قَوْمك) ، الْحدثَان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة، بِمَعْنى: الْحُدُوث، مَعْنَاهُ: قرب عَهدهم بالْكفْر، وَخبر الْمُبْتَدَأ مَحْذُوف. قَوْله: (لفَعَلت) ، أَي: لرددتها على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم. قَوْله: (قَالَ) أَي: عبد الله بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، ويروى: فَقَالَ: وَقَالَ، بِالْفَاءِ وَالْوَاو، ويروى: قَالَ عبد الله. قَوْله: (لَئِن كَانَت عَائِشَة) ، لَيْسَ هَذَا اللَّفْظ مِنْهُ على سَبِيل التَّضْعِيف لروايتها والتشكيك فِي صدقهَا، لِأَنَّهَا كَانَت صديقَة حافظة ضابطة، غَايَة مَا يُمكن بِحَيْثُ لَا تستراب فِي حَدِيثهَا، وَلَكِن كثيرا يَقع فِي كَلَام الْعَرَب صُورَة التشكيك، وَالْمرَاد بِهِ التَّقْرِير وَالْيَقِين. كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم} (الْأَنْبِيَاء: ١١١) . و {قل إِن ضللت فَإِنَّمَا أضلّ على نَفسِي} (سبأ: ٠٥) . قَوْله: (مَا أرى) ، بِضَم الْهمزَة أَي: مَا أَظن، وَهِي رِوَايَة معمر، وَزَاد فِي آخر الحَدِيث: (وَلَا طَاف النَّاس من وَرَاء الْحجر إلَاّ لذَلِك) قَوْله: (استلام الرُّكْنَيْنِ) الاستلام افتعال من السَّلَام، يُقَال: اسْتَلم الْحجر إِذا لمسه، وَالْمرَاد: لمس الرُّكْنَيْنِ بالقبلة أَو بِالْيَدِ. قَوْله: (يليان الْحجر) ، أَي: يقربان من الْحجر، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم، وَهُوَ مَعْرُوف على صفة نصف الدائرة، وقدرها تسع وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَقَالُوا: سِتَّة أَذْرع مِنْهُ مَحْسُوب من الْبَيْت بِلَا خلاف، وَفِي الزَّائِد خلاف. قَوْله: (إِلَّا أَن الْبَيْت) ، أَي: الْكَعْبَة (لم يتمم على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم الَّتِي رَفعهَا) ، يُرِيد: أَن كَانَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر سلم من السَّهْو فِي نَقله عَن عَائِشَة، وَكَانَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك ذَلِك ... إِلَى آخِره، فَأخْبر ابْن عمر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك استلامهما، وَمُقْتَضَاهُ أَنه قصد تَركهمَا، وإلَاّ فَلَا يُسمى تَارِكًا فِي الْعرف من أَرَادَ من الْكَعْبَة شَيْئا فَمَنعه مِنْهُ مَانع، فَكَانَ ابْن عمر علم ترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الاستلام وَلم يعلم علته، فَلَمَّا أخبرهُ عبد الله بن مُحَمَّد بِخَبَر عَائِشَة هَذَا عرف عِلّة ذَلِك، وَهُوَ كَونهمَا لَيْسَ على الْقَوَاعِد، بل أخرج مِنْهُ بعض الْحجر وَلم يبلغ بِهِ ركن الْبَيْت الَّذِي من تِلْكَ الْجِهَة، والركنان اللَّذَان الْيَوْم من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute