هَذَا طَرِيق ثَان فِي حَدِيث عَائِشَة رَوَاهُ عَن مُسَدّد عَن أبي الْأَحْوَص سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ عَن الْأَشْعَث بن أبي الشعْثَاء الْمحَاربي عَن الْأسود بن يزِيد.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْحَج عَن سعيد بن مَنْصُور عَن أبي الْأَحْوَص وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَكَذَا أخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن الْجدر) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة: كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: الْجِدَار، وَقَالَ الْخَلِيل: الْجدر لُغَة فِي الْجِدَار، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وبضم الْجِيم أَيْضا، وَالظَّاهِر أَنه وهم، لِأَن المُرَاد الْحجر، وَفِي (مُسْند الطَّيَالِسِيّ) : عَن أبي الْأَحْوَص شيخ مُسَدّد فِيهِ الْجدر أَو الْحجر بِالشَّكِّ، وَعند أبي عوَانَة من طَرِيق شَيبَان عَن الْأَشْعَث: الْحجر بِلَا شكّ. قَوْله:(أَمن الْبَيْت هُوَ؟) الْهمزَة فِيهِ للإستفهام. قَوْله:(وَهُوَ) أَي: الْجدر. قَوْله:(قَالَ نعم) أَي: قَالَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: نعم الْجدر من الْبَيْت، هَذَا يدل على أَن الْحجر كُله من الْبَيْت، وَبِذَلِك كَانَ يُفْتِي عبد الله بن عَبَّاس، كَمَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن أَبِيه عَن مرْثَد بن شُرَحْبِيل، قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس، يَقُول: لَو وليت من الْبَيْت مَا ولي ابْن الزبير لأدخلت الْحجر كُله فِي الْبَيْت، فلِمَ يُطاف بِهِ إِن لم يكن من الْبَيْت؟ وروى التِّرْمِذِيّ: قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة عَن أمه (عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَت: كنت أحب أَن أَدخل الْبَيْت فأُصلي فِيهِ، فَأخذ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بيَدي فَأَدْخلنِي الْحجر، فَقَالَ: صلي فِي الْحجر إِن أردْت دُخُول الْبَيْت فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَة من الْبَيْت، وَلَكِن قَوْمك استقصروه حِين بنوا الْكَعْبَة فأخرجوه من الْبَيْت) . قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ عَلْقَمَة ابْن أبي عَلْقَمَة بن بِلَال. قلت: أما أمه فاسمها مرْجَانَة، ذكرهَا ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد وَهُوَ الدَّرَاورْدِي، وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة سعيد بن جُبَير (أَن عَائِشَة قَالَت: يَا رَسُول الله، كل نِسَائِك دخل الْكَعْبَة غَيْرِي؟ قَالَ: فانطلقي إِلَى قرابتك شيبَة يفتح لَك الْكَعْبَة، فَأَتَتْهُ، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: وَالله مَا فتحت بلَيْل قطّ فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام، وَإِن أَمرتنِي أَن أفتحها فتحتها. قَالَ: لَا، ثمَّ قَالَ: إِن قَوْمك قصرت بهم النَّفَقَة فقصروا فِي الْبُنيان، وَإِن الْحجر من الْبَيْت فاذهبي فَصلي فِيهِ) . وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله تَعَالَى، فِي هَذَا الحَدِيث: أَن الْحجر كُله من الْبَيْت، وَهُوَ ظَاهر نَص الشَّافِعِي فِي (الْمُخْتَصر) . وَمُقْتَضى كَلَام جمَاعَة من أَصْحَابه كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه الصَّحِيح، وَعَلِيهِ نَص الشَّافِعِي، وَبِه قطع جَمَاهِير أَصْحَابنَا، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَكَذَا رَجحه ابْن الصّلاح قبله، وَقَالَ الرَّافِعِيّ: الصَّحِيح أَن لَيْسَ كُله من الْبَيْت، بل الَّذِي هُوَ من الْبَيْت قدر سِتَّة أَذْرع مُتَّصِل بِالْبَيْتِ، وَبِه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَابْنه إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَالْبَغوِيّ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْلَا أَن قَوْمك حَدِيث عهد بشركٍ لهدمت الْكَعْبَة وألزقتها بِالْأَرْضِ، د ولجعلت لَهَا بَابَيْنِ: بَابا شرقيا وبابا غربيا، وزدت فِيهَا سِتَّة أَذْرع من الْحجر فَإِن قُريْشًا اقتصرتها حِين بنت الْكَعْبَة) .