وَتَخْفِيف النُّون وَبعد الْألف تَاء مثناة من فَوق، وَهُوَ اسْم صنم كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَت صَخْرَة نصبها عَمْرو ابْن لحي بِجِهَة الْبَحْر فَكَانُوا يعبدونها، وَقيل: هِيَ صَخْرَة لهذيل بِقديد وَسميت مَنَاة لِأَن النسائك كَانَت تمنى بهَا أَي: تراق. وَقَالَ الْحَازِمِي: هِيَ على سَبْعَة أَمْيَال من الْمَدِينَة وإليها نسبوا زيد مَنَاة. قَوْله: (الطاغية) ، صفة لمناة إسلامية، وَهِي على زنة فاعلة من الطغيان، وَلَو رُوِيَ: لمناة الطاغية، بِالْإِضَافَة وَيكون الطاغية صفة للفرقة وهم الْكفَّار لجَاز. قَوْله: (عِنْد المشلل) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة، وَتَشْديد اللَّام الأولى الْمَفْتُوحَة اسْم مَوضِع قريب من قديد من جِهَة الْبَحْر، وَيُقَال: هُوَ الْجَبَل الَّذِي يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد من نَاحيَة الْبَحْر، وَقَالَ الْبكْرِيّ: هِيَ ثنية مشرفة على قديد. وَقَالَ السفاقسي: هِيَ عِنْد الْجحْفَة، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ بالمشلل من قديد، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي تَفْسِير الْبَقَرَة من طَرِيق مَالك (عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: قلت لعَائِشَة: وَأَنا يَوْمئِذٍ حَدِيث السن) فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: (كَانُوا يهلون لمناة، فَكَانَت مَنَاة حَذْو قديد) أَي: مُقَابِله، وَقد مر أَن قديدا، بِضَم الْقَاف: قَرْيَة جَامِعَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة كَثِيرَة الْمِيَاه، قَالَه الْبكْرِيّ. قَوْله: (يتحرج) أَي: يحْتَرز من الْحَرج، وَيخَاف الْإِثْم. قَوْله: (فَلَمَّا أَسْلمُوا) أَي: الْأَنْصَار. قَوْله: (عَن ذَلِك) أَي: الطّواف بالصفا والمروة. قَوْله: (إِنَّا كُنَّا نتحرج) إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة مُسلم: أَن الْأَنْصَار كَانُوا قبل أَن يسلمُوا هم وغسان يهلون لمناة، فتحرجوا أَن يطوفوا بَين الصَّفَا والمروة، وَكَانَ ذَلِك سنَّة فِي آبَائِهِم، من أحرم لمناة لم يطف بَين الصَّفَا والمروة، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لِأَن الْأَنْصَار كَانُوا يهلون فِي الْجَاهِلِيَّة لصنمين على شط الْبَحْر يُقَال لَهما: أساف ونائلة، ثمَّ يجيئون فيطوفون بَين الصَّفَا والمروة، ثمَّ يحلقون، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام كَرهُوا أَن يطوفوا بَينهمَا للَّذي كَانُوا يصنعونه فِي الْجَاهِلِيَّة، فَأنْزل الله تَعَالَى الْآيَة. وَفِي لفظ إِذا أهلوا لمناة لَا يحل لَهُم أَن يطوفوا بَين الصَّفَا والمروة، وَيُقَال: إِن الْأَنْصَار قَالُوا: إِنَّمَا أمرنَا بِالطّوافِ وَلم نؤمر بالسعي بَين الصَّفَا والمروة، فَنزلت الْآيَة وَقَالَ السّديّ: كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة تعرف الشَّيَاطِين فِي اللَّيْل بَين الصَّفَا والمروة، وَكَانَت بَينهمَا آلِهَة، فَلَمَّا ظهر الْإِسْلَام قَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله لَا نطوف بَين الصَّفَا والمروة، فَإِنَّهُ شرك كُنَّا نضعه فِي الْجَاهِلِيَّة، فَنزلت الْآيَة. وَفِي (الْأَسْبَاب) لِلْوَاحِدِيِّ، قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ على الصَّفَا صنم على صُورَة رجل يُقَال لَهُ: أساف، وعَلى الْمَرْوَة صُورَة امْرَأَة تدعى: نائلة، يزْعم أهل الْكتاب أَنَّهُمَا زَنَيَا فِي الْكَعْبَة مسخهما الله تَعَالَى حجرين، فوضعا على الصَّفَا ليعتبر بهما فَلَمَّا طَالَتْ الْمدَّة، عبدا، فَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا طافوا بَينهمَا مسحوا الوثنين، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام وَكسرت الْأَصْنَام كره الْمُسلمُونَ الطّواف بَينهمَا لأجل الصنمين، فَنزلت هَذِه الْآيَة: وروى الطَّبَرِيّ وَابْن أبي حَاتِم فِي التَّفْسِير بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَت الْأَنْصَار: إِن السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة من أَمر الْجَاهِلِيَّة، فَأنْزل الله تَعَالَى: {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} (الْبَقَرَة: ٨٥١) . قَوْله: (وَقد سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: شرع وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَجعل ركنا. وَقَالَ بَعضهم: أَي فَرْضه بِالسنةِ، وَلَيْسَ مُرَاد عَائِشَة نفي فريضتها وَيُؤَيِّدهُ قَوْلهَا لم يتم الله حج أحد وَلَا عمرته لم يلطف بَينهمَا قلت قَول الْكرْمَانِي جعل ركنا غير موجه لِأَن لفظ سنّ لَا يدل على معنى أَنه جعله ركنا وَإِلَّا لَا يبْقى فرق بَين السّنة والركن وَكَيف نقُول أَنه ركن وركن الشَّيْء مَا هُوَ دَاخل فِي ذَات الشَّيْء وَلم يقل أحد أَن السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة دَاخل فِي مَاهِيَّة الْحَج وَكَذَا قَول بَعضهم أَي فَرْضه بِالسنةِ لَيْسَ مَدْلُول اللَّفْظ. وَقَوله لَيْسَ مُرَاد عَائِشَة نفي فرضيتها فَنَقُول وَكَذَا أَلا يدل على إِثْبَات فضيتها وَقَوله يُؤَيّدهُ قَوْلهَا إِلَى آخِره لَا يُؤَيّدهُ أصلا وَلَا يدل على مدعاه لِأَن نفي إتْمَام الشَّيْء لَا يدل على نفي وجوده فعلى كل حَال لَا يثبت الْفَرْضِيَّة غَايَة مَا فِي الْبَاب يدل على أَنه سنة مُؤَكدَة وَهِي فِي قُوَّة الْوَاجِب وَنحن نقُول بِهِ وَسَيَجِيءُ بَيَان الْخلاف قَوْله (ثمَّ أجزت أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن) الْمخبر هُوَ الزُّهْرِيّ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَيُقَال لَهُ رَاهِب قُرَيْش لِكَثْرَة صلَاته ولد فِي خِلَافه عمر بن الْخطاب وَمَات سنة أَربع وَتِسْعين قَالَه عمر وبن عَليّ وَفِي رِوَايَته مُسلم عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ قَالَ الزُّهْرِيّ فَذكرت ذَلِك لأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن هِشَام، فأعجبه ذَلِك، قَوْله: (إِن هَذَا الْعلم) ، بِفَتْح اللَّام الَّتِي هِيَ للتَّأْكِيد، وتنكير الْعلم، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين أَن هَذَا الْعلم أَشَارَ بِهِ إِلَى كَلَام عَائِشَة. وَقَوله: (مَا كنت سمعته) وَقع خَبرا لِأَن، وَلَفظ: كنت، بِلَفْظ الْمُتَكَلّم، وَكلمَة: مَا، نَافِيَة، وعَلى رِوَايَة الْكشميهني. قَوْله: (لعلم) خبر: إِن، وَكلمَة: مَا، مَوْصُولَة. وَلَفظ: كنت، بِلَفْظ الْمُخَاطب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute