عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ خرَاش بن أُميَّة بن ربيعَة، حَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله تَعَالَى: هَذَا وهمٌ من قَائِله، وَإِنَّمَا حلق رَأسه خرَاش بن أُميَّة يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَقد بَينه ابْن عبد الْبر، فَقَالَ فِي تَرْجَمَة خرَاش، وَهُوَ الَّذِي حلق رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة. انْتهى. فَمن ذكر أَنه حلق لَهُ يَوْم النَّحْر فِي حجَّته فقد وهم، وَإِنَّمَا حلق لَهُ يَوْم النَّحْر معمر بن عبد الله الْعَدوي. كَمَا تقدم، وَهُوَ الصَّوَاب.
النَّوْع الْعَاشِر: أَن عِنْد أبي حنيفَة يبْدَأ بِيَمِين الحالق ويسار المحلوق، قَالَه الْكرْمَانِي فِي (مَنَاسِكه) وَعند الشَّافِعِي: يبْدَأ بِيَمِين المحلوق، وَالصَّحِيح عِنْد أبي حنيفَة مثله.
النَّوْع الْحَادِي عشر: مَا ذكره صَاحب (التَّوْضِيح) ، فَقَالَ: يدْخل وَقت الْحلق من طُلُوع الْفجْر عِنْد الْمَالِكِيَّة، وَعِنْدنَا ينصف لَيْلَة النَّحْر، وَلَا آخر لوقته، وَالْحلق بمنى يَوْم النَّحْر أفضل. قَالُوا: وَلَو أَخّرهُ حَتَّى بلغ بَلَده حلق. أَو أهْدى، فَلَو وطىء قبل الْحلق فَعَلَيهِ هدي، بِخِلَاف الصَّيْد على الْمَشْهُور عِنْدهم، وَقَالَ ابْن قدامَة: يجوز تَأْخِيره إِلَى آخر أَيَّام النَّحْر، فَإِن أَخّرهُ عَن ذَلِك فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَا دم عَلَيْهِ، وَبِه قَالَ عَطاء وَأَبُو يُوسُف وَأَبُو ثَوْر، وَيُشبه مَذْهَب الشَّافِعِي، لِأَن الله تَعَالَى بَين أول وقته بقوله: {وَلَا تحلقوا رؤوسكم} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . الْآيَة، وَلم يبين آخِره، فَمَتَى أَتَى بِهِ أَجزَأَهُ، وَعَن أَحْمد: عَلَيْهِ دم بِتَأْخِيرِهِ، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، لِأَنَّهُ نسك أَخّرهُ عَن مَحَله، وَلَا فرق فِي التَّأْخِير بَين الْقَلِيل وَالْكثير، والساهي والعامد، وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: من تَركه حَتَّى حل فَعَلَيهِ دم، لِأَنَّهُ نسك فَيَأْتِي بِهِ فِي إِحْرَام الْحَج كَسَائِر مَنَاسِكه.
٧٢٧١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله ابنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أللَّهُمَّ ارْحَمْ المحَلِّقينَ قالُوا والمُقَصِّرينَ يَا رسولَ الله قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقينَ قالُوا والمُقَصِّرِينَ يَا رسولَ الله قَالَ والمُقَصِّرينَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ فِي الْحلق وَالتَّقْصِير. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد أَيْضا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: (أللهم ارْحَمْ المحلقين) ، هَذَا الدُّعَاء الَّذِي وَقع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتكرار للمحلقين وأفراد الدُّعَاء للمقصرين، هَل كَانَ ذَلِك فِي حجَّة الْوَدَاع أَو فِي الْحُدَيْبِيَة؟ فَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: كَونه فِي الْحُدَيْبِيَة هُوَ الْمَحْفُوظ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الصَّحِيح الْمَشْهُور أَنه كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: لَا يبعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَا قَالَه القَاضِي هُوَ الصَّوَاب جمعا بَين الْأَحَادِيث، فَفِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث أم الْحصين أَنه قَالَه فِي حجَّة الْوَدَاع، وَقد رُوِيَ أَن ابْن إِسْحَاق قَالَ فِي (السِّيرَة) : حَدثنِي ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ حلق: رجال يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَقصر آخَرُونَ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم ارْحَمْ المحلقين، ثَلَاثًا. قيل: يَا رَسُول الله! مَا بَال المحلقين ظَاهَرت لَهُم بالترحم؟ قَالَ: لأَنهم لم يشكوا) . فَهَذَا يُوضح أَنه قَالَه فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَالَ الْخطابِيّ: كَانَت عَادَتهم اتِّخَاذ الشّعْر على الرؤوس وتوفيرها وتزيينها، وَكَانَ الْحلق فيهم قَلِيلا، ويرون ذَلِك نوعا من الشُّهْرَة، وَكَانَ يشق عَلَيْهِم الْحلق، فمالوا إِلَى التَّقْصِير. فَمنهمْ من حلق وَمِنْهُم من قصر لما يجد فِي نَفسه مِنْهُ، فَمن أجل ذَلِك سمح لَهُم بِالدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ، وَقصر، بالآخرين إِلَى أَن استعطف عَلَيْهِم، فعممهم بِالدُّعَاءِ بعد ذَلِك. فَإِن قلت: مَا معنى قَوْله: (لم يشكوا) ؟ وَمَا المُرَاد بِالشَّكِّ وَوُجُود الشَّك من الصَّحَابَة مُشكل. قلت: مَعْنَاهُ لم يشكوا أَن الحلاق أفضل قيل: فِيهِ نظر، لِأَن الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، إِذا رَأَوْا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل فعلا رَأَوْهُ أفضل، وَإِنَّمَا كَانُوا يقصدون مُتَابَعَته. قَوْله: (والمقصرين) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: قل: وَارْحَمْ الْمُقَصِّرِينَ أَيْضا، وَيُسمى مثل هَذَا: بالْعَطْف التلقيني، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا قَالَ، وَمن ذريتي} (الْبَقَرَة: ٤٢١) . وَفِيه: مَا يدل على أَفضَلِيَّة الْحلق لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْعِبَادَة وأدل على صدق النِّيَّة فِي التذلل لله، لِأَن المقصر مبق على نَفسه من زينته الَّتِي قد أَرَادَ الله تَعَالَى أَن يكون الْحَاج مجانبا لَهَا. وَقيل: مَا ذكر من أَفضَلِيَّة الْحلق على التَّقْصِير إِنَّمَا هِيَ فِي حقِّ الرِّجَال دون النِّسَاء، لوُرُود النَّهْي عَن حلق النِّسَاء، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَيْسَ على النِّسَاء الْحلق، إِنَّمَا على النِّسَاء التَّقْصِير) . وروى التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تحلق الْمَرْأَة رَأسهَا) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute