للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكنز العارفين ودأب الصَّالِحين وتلخيص مَعْنَاهُ أَن تعبد الله عبَادَة من يرى الله تَعَالَى وَيَرَاهُ الله تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يستبقي شَيْئا من الخضوع وَالْإِخْلَاص وَحفظ الْقلب والجوارح ومراعاة الْآدَاب مَا دَامَ فِي عِبَادَته وَقَوله " فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " يَعْنِي أَنَّك إِنَّمَا تراعي الْآدَاب إِذا رَأَيْته ورآك لكَونه يراك لَا لكونك ترَاهُ وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود وَإِن لم تره لِأَنَّهُ يراك وَحَاصِله الْحَث على كَمَال الْإِخْلَاص فِي الْعِبَادَة وَنِهَايَة المراقبة فِيهَا وَقَالَ هَذَا من جَوَامِع الْكَلم الَّتِي أوتيها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ندب أهل الْحَقَائِق إِلَى مجالسة الصَّالِحين ليَكُون ذَلِك مَانِعا من تلبسه بِشَيْء من النقائص احتراما لَهُم واستحياء مِنْهُم فَكيف بِمن لَا يزَال الله تَعَالَى مطلعا عَلَيْهِ فِي سره وعلانيته وَقَالَ القَاضِي عِيَاض قد اشْتَمَل على شرح جَمِيع وظائف الْعِبَادَات الظَّاهِرَة والباطنة من عُقُود الْإِيمَان وأعمال الْجَوَارِح وإخلاص السرائر وَالْحِفْظ من آفَات الْأَعْمَال حَتَّى أَن عُلُوم الشَّرِيعَة كلهَا رَاجِعَة إِلَيْهِ ومتشعبة مِنْهُ قَوْله " مَتى السَّاعَة " السَّاعَة مِقْدَار من الزَّمَان غير معِين لقَوْله تَعَالَى {مَا لَبِثُوا غير سَاعَة} وَفِي عرف أهل الشَّرْع عبارَة عَن يَوْم الْقِيَامَة وَفِي عرف المعدلين جُزْء من أَرْبَعَة وَعشْرين جزأ من أَوْقَات اللَّيْل وَالنَّهَار قَوْله " إِذا ولدت الْأمة رَبهَا " أَي مَالِكهَا وسيدها وَذكروا فِي معنى خذا أوجها الأول قَالَ الْخطابِيّ مَعْنَاهُ اتساع الْإِسْلَام واستيلاء أَهله على بِلَاد الشّرك وَسبي دراريهم فَإِذا ملك الرجل الْجَارِيَة واستولدها كَانَ الْوَلَد فِيهَا بِمَنْزِلَة رَبهَا لِأَنَّهُ ولد سَيِّدهَا وَقَالَ النَّوَوِيّ وَغَيره هَذَا قَول الْأَكْثَرين وَقَالَ بَعضهم وَقَالَ بَعضهم لَكِن فِي كَونه المُرَاد نظر لِأَن استيلاد الْإِمَاء كَانَ مَوْجُودا حِين الْمقَالة والاستيلاء لعى بِلَاد الشّرك وَسبي ذَرَارِيهمْ واتخاذهم سرارى وَقع أَكْثَره فِي صدر الْإِسْلَام وَسِيَاق الْكَلَام يَقْتَضِي الْإِشَارَة إِلَى وُقُوع مَا لم يَقع مِمَّا سيقع فِي قيام السَّاعَة قلت فِي نظره نظر لِأَن قَوْله إِذا ولدت الْأمة رَبهَا كِنَايَة عَن كَثْرَة التَّسَرِّي من كَثْرَة فتوح الْمُسلمين واستيلائهم على بِلَاد الشّرك وَالْمرَاد أَن يكون من هَذِه الْجِهَة فَافْهَم وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَن الْإِيمَاء يلدن الْمُلُوك فَتكون أم الْملك من جملَة الرّعية وَهُوَ سَيِّدهَا وَسيد غَيرهَا من رَعيته وَهَذَا قَول إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَالثَّالِث مَعْنَاهُ أَن تفْسد أَحْوَال النَّاس فيكثر بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد فِي آخر الزَّمَان فيكثر تردادها فِي ايدي المشترين حَتَّى يَشْتَرِيهَا ابْنهَا وَهُوَ لَا يدْرِي وعَلى هَذَا القَوْل لَا يخْتَص بأمهات الْأَوْلَاد بل يتَصَوَّر فِي غَيْرهنَّ فَإِن الْأمة قد تَلد حرا بوطئ غير سَيِّدهَا بِشُبْهَة أَو ولدا رَقِيقا بِنِكَاح أَو زنا ثمَّ تبَاع الْأمة فِي بيع لأمهات الْأَوْلَاد وَالرَّابِع أَن أم الْوَلَد لما عتقت بِوَلَدِهَا فَكَأَنَّهُ سَيِّدهَا وَهَذَا بطرِيق الْمجَاز لِأَنَّهُ لما كَانَ سَببا فِي عتقهَا بِمَوْت أَبِيه أطلق عَلَيْهِ ذَلِك وَالْخَامِس أَن يكثر العقوق فِي الْأَوْلَاد فيعامل الْوَلَد أمه مُعَاملَة السَّيِّد أمته من الإهانة وَغير ذَلِك وَأطلق عَلَيْهِ رَبهَا مجَازًا لذَلِك وَقَالَ بَعضهم لذَلِك وَقَالَ بَعضهم يجوز أَن يكون المُرَاد بالرب المربي فَيكون حَقِيقَة وَهَذَا أوجه الْأَوْجه عِنْدِي لعمومه قل هَذَا لَيْسَ بأوجه الْأَوْجه بل أضعفها لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا عد هَذَا من أَشْرَاط السَّاعَة لكَونه على نمط خَارج على وَجه الاستغراب أَو على وَجه دَال على فَسَاد أَحْوَال النَّاس وَالَّذِي ذكره هَذَا الْقَائِل لَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل فَافْهَم. وَأما رِوَايَة بَعْلهَا فَالصَّحِيح فِي مَعْنَاهَا أَن البعل هُوَ السَّيِّد أَو الْمَالِك فَيكون بِمَعْنى رَبهَا على مَا سلف قَالَ أهل اللُّغَة بعل الشَّيْء ربه ومالكه قَالَ تَعَالَى {أَتَدعُونَ بعلا} أَي رَبًّا قَالَه ابْن عَبَّاس والمفسرون وَقيل المُرَاد هُنَا الزَّوْج وعَلى هَذَا مَعْنَاهُ نَحْو مَا سبق أَنه يكثر بيع السرارى حَتَّى يتَزَوَّج الْإِنْسَان أمه وَلَا يدْرِي وَهَذَا أَيْضا معنى صَحِيح إِلَّا أَن الأول أظهر لِأَنَّهُ إِذا أمكن حمل الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقَضِيَّة الْوَاحِدَة على معنى وَاحِد كَانَ أولى قَوْله " وَإِذا تطاول رُعَاة الْإِبِل البهم فِي الْبُنيان " الْمَعْنى أَن أهل الْبَادِيَة أهل الْفَاقَة تنبسط لَهُم الدُّنْيَا حَتَّى يتباهوا فِي إطالة الْبُنيان يَعْنِي الْعَرَب تستولي على النَّاس وبلادهم وَيزِيدُونَ فِي بنيانهم وَهُوَ إِشَارَة إِلَى اتساع دين الْإِسْلَام كَمَا أَن الْعَلامَة الأولى أَيْضا فِيهَا اتساع الْإِسْلَام قَالَ الْكرْمَانِي ومحصله أَن من أشراطها تسلط الْمُسلمين على الْبِلَاد والعباد وَقَالَ ابْن بطال مَعْنَاهُ أَن ارْتِفَاع الأسافل من العبيد والسفلة الجمالين وَغَيرهم من عَلَامَات الْقِيَامَة. وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن أبي جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا " من انقلاب الدّين تفصح النبط واتخاذهم الْقُصُور فِي الْأَمْصَار " وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ الْمَقْصُود الْأَخْبَار عَن تبدل الْحَال بِأَن يستولي أهل الْبَادِيَة على الْأَمر ويتملكوا الْبِلَاد بالقهر فتكثر أَمْوَالهم وتنصرف هممهم إِلَى تشييد

<<  <  ج: ص:  >  >>