بِنَاء على أَن الْخطْبَة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس على حَقِيقَتهَا على زعمهم وَهَذَا لَا يَقُول بِهِ خصمهم قَوْله " وَأَعْرَاضكُمْ " جمع عرض بِكَسْر الْعين وَهُوَ مَا يحميه الْإِنْسَان وَيلْزمهُ الْقيام بِهِ قَالَه أَبُو عَمْرو وَقَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ مَا يمدح بِهِ ويذم وَقيل الْعرض الْحسب وَقيل النَّفس فَإِن الْعرض يُقَال للنَّفس وللحسب يُقَال فلَان نقي الْعرض أَي بَرِيء أَن يشْتم أَو يعاب وَالْعرض رَائِحَة الْجَسَد أَو غَيره طيبَة أَو خبيثة وَفِي شرح السّنة لَو كَانَ المُرَاد من الْأَعْرَاض النُّفُوس لَكَانَ تَكْرَارا لِأَن ذكر الدِّمَاء كَاف إِذْ المُرَاد بهَا النُّفُوس وَقَالَ الطَّيِّبِيّ الظَّاهِر أَن المُرَاد بالأعراض الْأَخْلَاق النفسانية وَذكر فِي النِّهَايَة الْعرض مَوضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان سَوَاء كَانَ فِي نَفسه أَو فِي سلفه وَلما كَانَ مَوضِع الْعرض النَّفس قَالَ من قَالَ الْعرض النَّفس إطلاقا للمحل على الْحَال وَحين كَانَ الْمَدْح نِسْبَة الشَّخْص إِلَى الْأَخْلَاق الحميدة والذم نسبته إِلَى الذميمة سَوَاء كَانَت فِيهِ أَو لَا قَالَ من قَالَ الْعرض الْخلق إطلاقا الِاسْم اللَّازِم على الْمَلْزُوم قَوْله " كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا " إِنَّمَا شبهها فِي الْحُرْمَة بِهَذِهِ الْأَشْيَاء لأَنهم كَانُوا لَا يرَوْنَ اسْتِبَاحَة تِلْكَ الْأَشْيَاء وانتهاك حرمتهَا بِحَال وَقيل مثل بِالْيَوْمِ وبالشهر وبالبلد لتوكيد تَحْرِيم مَا حرم من الدِّمَاء وَالْأَمْوَال والأعراض قَوْله " فَأَعَادَهَا مرَارًا " أَي أعَاد الْمَذْكُورَات مرَارًا وَأقله أَن يكون ثَلَاث مَرَّات قَوْله " ثمَّ رفع رَأسه " وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من هَذَا الْوَجْه ثمَّ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء قَوْله " اللَّهُمَّ هَل بلغت " إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ فرضا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يبلغ وَمِنْه سميت حجَّة الْبَلَاغ قَوْله " إِنَّهَا لوصيته " أَي أَن الْكَلِمَات الَّتِي قَالَهَا لوصيته إِلَى أمته يُرِيد بذلك قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب " إِلَى آخر الحَدِيث وَالْمرَاد بِالشَّاهِدِ الْحَاضِر فِي ذَلِك الْمجْلس وَقَوله قَالَ ابْن عَبَّاس فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لوصيته إِلَى أمته قسم من ابْن عَبَّاس صدر بِهِ كَلَامه للتَّأْكِيد وَهُوَ إِلَى آخر كَلَامه معترض بَين قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " هَل بلغت " وَبَين قَوْله " فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب " وَاللَّام فِي قَوْله " لوصيته " مَفْتُوحَة وَهِي لَام التَّأْكِيد وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذكرنَا أَن الضَّمِير فِي أَنَّهَا يرجع إِلَى الْكَلِمَات الَّتِي قَالَهَا وَهِي " فليبلغ الشَّاهِد " إِلَى آخِره وَالضَّمِير وَإِن كَانَ مقدما فِي الذّكر فالقرينة تدل على أَنه مُؤخر فِي الْمَعْنى قَوْله " لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا " قَالَ الْكرْمَانِي أَي كالكفار أَو لَا يكفر بَعْضكُم بَعْضًا فتستحقوا الْقِتَال وَقَالَ الطَّيِّبِيّ أَي لَا تكن أفعالكم شَبيهَة بأعمال الْكفَّار فِي ضرب رِقَاب الْمُسلمين (قلت) ذكرُوا فِيهِ أقوالا. الأول كفر فِي حق المستحل بِغَيْر حق. الثَّانِي كفر النِّعْمَة وَحقّ الْإِسْلَام. الثَّالِث يقرب من الْكفْر وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ. الرَّابِع فعل كَفعل الْكفَّار. الْخَامِس حَقِيقَة الْكفْر يَعْنِي لَا تكفرُوا بل دوموا مُسلمين. السَّادِس المتكفرين بِالسِّلَاحِ يُقَال للابس السِّلَاح كَافِر. السَّابِع لَا يكفر بَعْضكُم بَعْضًا فتستحلوا قتال بَعْضكُم بَعْضًا (فَإِن قلت) مَا معنى قَوْله بعدِي وهم لَو رجعُوا فِي زَمَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لَهُم هَذَا الَّذِي ذكره لَهُم (قلت) إِنَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد علم أَنهم لَا يرجعُونَ فِي حَيَاته أَو أَرَادَ بعد فراقي من موقفي هَذَا أَو الْمَعْنى بعد حَياتِي قَوْله " يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض " الرِّوَايَة بِرَفْع الْبَاء وَيصِح بِهِ الْمَقْصُود وَقَالَ عِيَاض وَضَبطه بَعضهم بِسُكُون الْبَاء وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء على تَقْدِير شَرط مضمن أَي أَن ترجعوا بعدِي وَقَالَ الطَّيِّبِيّ يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض جملَة مستأنفة مبينَة لقَوْله " فَلَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا " فَيَنْبَغِي أَن يحمل على الْعُمُوم وَأَن يُقَال لَا يظلم بَعْضكُم بَعْضًا فَلَا تسفكوا دماءكم وَلَا تهتكوا أعراضكم وَلَا تستبيحوا أَمْوَالكُم وَنَحْوه أَي فِي إِطْلَاق الْخَاص وَإِرَادَة الْعُمُوم قَوْله تَعَالَى {الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما} انْتهى (قلت) هَذَا كُله فِي شرح قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا ترجعوا بعدِي ضلالا " لِأَن الْمَتْن الَّذِي شَرحه وَهُوَ متن الْمشكاة وَقع " ضلالا " ثمَّ قَالَ ويروى " كفَّارًا " ثمَّ نقل كَلَام صَاحب الْمظهر بقوله يَعْنِي إِذا فَارَقت الدُّنْيَا فاثبتوا بعدِي على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من الْإِيمَان وَالتَّقوى وَلَا تظلموا أحدا وَلَا تَحَارَبُوا الْمُسلمين وَلَا تَأْخُذُوا أَمْوَالهم بِالْبَاطِلِ فَإِن هَذِه الْأَفْعَال من الضَّلَالَة والعدول من الْحق إِلَى الْبَاطِل ثمَّ قَالَ الطَّيِّبِيّ بعد ذَلِك مَا ذكرنَا عَنهُ من قَوْله جملَة مستأنفة إِلَى آخِره (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) احْتج بِهِ الشَّافِعِي وَأحمد على أَن الْخطْبَة يَوْم النَّحْر سنة وَقَالَ ابْن قدامَة وَعَن بعض أَصْحَابنَا لَا يخْطب فِيهِ وَهُوَ مَذْهَب مَالك قلت الْخطْبَة عِنْد أَصْحَابنَا فِي الْحَج فِي ثَلَاثَة أَيَّام الأولى فِي الْيَوْم السَّابِع من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute