وَمِنْهَا: حَدِيث أبي أُمَامَة، رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ:(لله عِنْد كل فطر عُتَقَاء) ، وَرِجَاله ثِقَات.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير بِلَفْظ:(إِن أَبْوَاب السَّمَاء تفتح فِي أول لَيْلَة من شهر رَمَضَان، وَلَا تغلق إِلَى آخر لَيْلَة مِنْهُ) ، وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن مَرْوَان السَّعْدِيّ وَهُوَ ضَعِيف وَلأبي سعيد حَدِيث آخر رَوَاهُ الْبَزَّار بِلَفْظ:(إِن لله تبَارك وَتَعَالَى عُتَقَاء فِي كل يَوْم وَلَيْلَة يَعْنِي: فِي رَمَضَان، وَإِن لكل مُسلم فِي كل يَوْم وَلَيْلَة دَعْوَة مستجابة) ، وَفِيه أبان بن أبي عَيَّاش ضَعِيف. وَلأبي سعيد حَدِيث آخر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ:(صِيَام رَمَضَان إِلَى رَمَضَان كَفَّارَة لما بَينهمَا) .
وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرجه النَّسَائِيّ عَنْهَا:(أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يرغب النَّاس فِي قيام رَمَضَان من غير أَن يَأْمُرهُم بعزيمة أَمر فِيهِ فَيَقُول: من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أم هانىء، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الصَّغِير) و (الْأَوْسَط) بِلَفْظ: (إِن أمتِي لم يخزوا مَا أَقَامُوا شهر رَمَضَان، قيل: يَا رَسُول الله؟ وَمَا خزيهم فِي إِضَاعَة شهر رَمَضَان؟ قَالَ: انتهاك الْمَحَارِم فِيهِ) الحَدِيث، وَفِيه:(فَاتَّقُوا شهر رَمَضَان فَإِن الْحَسَنَات تضَاعف فِيهِ مَا لَا تضَاعف فِيمَا سواهُ، وَكَذَلِكَ السَّيِّئَات) ، وَفِي إِسْنَاده عِيسَى بن سُلَيْمَان أَبُو طيبَة الْجِرْجَانِيّ، ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات، وَضَعفه ابْن معِين.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فتحت أَبْوَاب السَّمَاء) ، قد ذكرنَا معنى: فتحت، وَهنا، قَالَ:(أَبْوَاب السَّمَاء) ، وَفِي حَدِيث قُتَيْبَة الْمَاضِي قَالَ:(أَبْوَاب الْجنَّة) ، وَقَالَ ابْن بطال: المُرَاد من السَّمَاء الْجنَّة بِقَرِينَة ذكر جَهَنَّم فِي مُقَابلَة. قلت: جَاءَ فِي رِوَايَة: (أَبْوَاب الرَّحْمَة) ، وَلَا تعَارض فِي ذَلِك، فأبواب السَّمَاء يصعد مِنْهَا إِلَى الْجنَّة لِأَنَّهَا فَوق السَّمَاء، وسقفها عرش الرَّحْمَن كَمَا ثَبت فِي (الصَّحِيح) . وأبواب الرَّحْمَة تطلق على أَبْوَاب الْجنَّة، لقَوْل النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الحَدِيث الصَّحِيح:(احتجت الْجنَّة وَالنَّار) الحَدِيث، وَفِيه:(وَقَالَ الله للجنة: أَنْت رَحْمَتي أرْحم بك من أَشَاء من عبَادي) الحَدِيث، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: فَائِدَة الْفَتْح تَوْقِيف الْمَلَائِكَة على استحماد فعل الصائمين، وَأَن ذَلِك من الله بِمَنْزِلَة عَظِيمَة، وَأَيْضًا فِيهِ أَنه إِذا علم الْمُكَلف المعتقد ذَلِك بِإِخْبَار الصَّادِق يزِيد فِي نشاطه ويتلقاه بأريحته وينصره مَا روى:(إِن الْجنَّة تزخرف لرمضان) . قَوْله:(وغلقت أَبْوَاب جَهَنَّم) لِأَن الصَّوْم جنَّة فتغلق أَبْوَابهَا بِمَا قطع عَنْهُم من الْمعاصِي وَترك الْأَعْمَال السَّيئَة المستوجبة للنار، ولقلة مَا يُؤَاخذ الله الْعباد بأعمالهم السَّيئَة ليستنقذ مِنْهَا ببركة الشَّهْر، ويهب الْمُسِيء للمحسن، ويجاوز عَن السَّيِّئَات، وَهَذَا معنى الإغلاق، قَوْله:(وسلسلت الشَّيَاطِين) أَي: شدت بالسلاسل. قَالَ الْحَلِيمِيّ: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد أَن الشَّيَاطِين مسترقوا السّمع مِنْهُم أَن تسلسلهم يَقع فِي ليَالِي رَمَضَان دون أَيَّامه، لأَنهم كَانُوا منعُوا زمن نزُول الْقُرْآن من استراق السّمع، فزيد التسلسل مُبَالغَة فِي الْحِفْظ، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد: أَن الشَّيَاطِين لَا يخلصون من إِفْسَاد الْمُسلمين إِلَى مَا يخلصون إِلَيْهِ فِي غَيره لاشتغالهم بالصيام الَّذِي فِيهِ قمع الشَّيَاطِين، وبقراءة الْقُرْآن، وَالذكر. وَقيل: المُرَاد بالشياطين بَعضهم، وهم المردة مِنْهُم، وَترْجم لذَلِك ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَأورد مَا أخرجه هُوَ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم من طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (إِذا كَانَ أول لَيْلَة من شهر رَمَضَان صفدت الشَّيَاطِين مَرَدَة الْجِنّ) . وَأخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي قلَابَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ:(وتغل فِيهِ مَرَدَة الشَّيَاطِين) ، وَيُقَال: تصفيد الشَّيَاطِين عبارَة عَن تعجيزهم عَن الإغواء وتزيين الشَّهَوَات، وصفدت، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وبالفاء الْمُشَدّدَة الْمَكْسُورَة: أَي شدت بالأصفاد، وَهِي الأغلال، وَهُوَ بِمَعْنى: سلسلت. فَإِن قلت: قد تقع الشرور والمعاصي فِي رَمَضَان كثيرا، فَلَو سلسلت لم يَقع شَيْء من ذَلِك. قلت: هَذَا فِي حق الصائمين الَّذين حَافظُوا على شُرُوط الصَّوْم وراعوا آدابه، وَقيل: المسلسل بعض الشَّيَاطِين وهم المردة لَا كلهم، كَمَا تقدم فِي بعض الرِّوَايَات، وَالْمَقْصُود تقليل الشرور فِيهِ، وَهَذَا أَمر محسوس، فَإِن وُقُوع ذَلِك فِيهِ أقل من غَيره، وَقيل: لَا يلْزم من تسلسلهم وتصفيدهم كلهم أَن لَا تقع شرور وَلَا مَعْصِيّة، لِأَن لذَلِك أسبابا غير الشَّيَاطِين، كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة وَالشَّيَاطِين الأنسية.