قيل: هَذَا الحَدِيث غير مُطَابق للتَّرْجَمَة، وَأجَاب عَنهُ صَاحب (التَّلْوِيح) : بِأَن فِي بعض طرق حَدِيث ابْن عمر (أَن رَسُول الله ت ذكر رَمَضَان، فَقَالَ: لَا تَصُومُوا حَتَّى تروا الْهلَال) ، فَكَأَن البُخَارِيّ على عَادَته أحَال على هَذَا، فطابق بذلك مَا بوب لَهُ من ذكر رَمَضَان، وَصَاحب (التَّوْضِيح) تبعه على ذَلِك. وَقَالَ بَعضهم: وَإِنَّمَا أَرَادَ المُصَنّف بإيراده فِي هَذَا الْبَاب ثُبُوت ذكر رَمَضَان بِغَيْر شهر، وَلم يَقع ذَلِك فِي الرِّوَايَة الموصولة، وَإِنَّمَا وَقع فِي الرِّوَايَة الْمُعَلقَة. قلت: قد ذهل هَذَا الْقَائِل عَن حَدِيث قُتَيْبَة فِي أول الْبَاب، فَإِنَّهُ مَوْصُول وَلَيْسَ فِيهِ ذكر شهر، والْحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ عَن يحيى بن بكير فِيهِ ذكر الشَّهْر، والترجمة هَل يُقَال: رَمَضَان أَو شهر رَمَضَان؟ فَحَدِيث قُتَيْبَة يُطَابق قَوْله: هَل يُقَال رَمَضَان؟ وَحَدِيث يحيى يُطَابق قَوْله: أَو شهر رَمَضَان؟ فَضَاعَ الْوَجْه الَّذِي ذكره بَاطِلا. وَجَوَاب صَاحب التَّلْوِيح أَيْضا لَيْسَ بِشَيْء، وَالْوَجْه فِي هَذَا أَن يُقَال: الْأَحَادِيث الْمُعَلقَة والموصولة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبَاب تدل على أَن لشهر رَمَضَان أوصافا عَظِيمَة. مِنْهَا: أَن فِيهِ: غفران مَا تقدم من ذَنْب الصَّائِم فِيهِ إِيمَانًا واحتسابا، وَهُوَ الَّذِي علق مِنْهُ البُخَارِيّ قِطْعَة فِي أول الْبَاب. وَأَن فِيهِ: فتح أَبْوَاب الْجنان. وَأَن فِيهِ: غلق أَبْوَاب النَّار. وَأَن فِيهِ: تسلسل الشَّيَاطِين، وَقد ثَبت بالدلائل القطعية فَرضِيَّة هَذَا الصَّوْم الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الْأَوْصَاف، وَأورد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب ليعلم أَن هَذَا الصَّوْم يكون فِي أَيَّام محدودة، وَهِي: أَيَّام شهر رَمَضَان، وَأَن الْوُجُوب يتَعَلَّق بِرُؤْيَتِهِ، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة يسْتَأْنس لوجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث فِيهِ، وَيَكْفِي فِي التطابق أدنى الْمُنَاسبَة فَافْهَم.
ثمَّ سَنَد هَذَا الحَدِيث هُوَ بِعَيْنِه سَنَد الحَدِيث الَّذِي قبله، غير أَنه فِي الأول: يروي ابْن شهَاب عَن ابْن أبي أنس، عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي هَذَا الحَدِيث يروي: ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عبد الله بن عمر عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.