الْمعلم عَن يحيى بن أبي كثير عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ عَن يعِيش بن الْوَلِيد عَن أَبِيه عَن معدان بن طَلْحَة (عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قاء فَأفْطر، قَالَ: فَلَقِيت ثَوْبَان فِي مَسْجِد دمشق، قلت: إِن أَبَا الدَّرْدَاء أَخْبرنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قاء فَأفْطر، فَقَالَ: صدق، أَنا صببت لَهُ وضوءه) . ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَذهب قوم إِلَى أَن الصَّائِم إِذا قاء أفطر، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِهَذَا الحَدِيث. قلت: أَرَادَ بالقوم: عَطاء وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبا ثَوْر. ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ، وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ فَقَالُوا: إِن استقاء أفطر، وَإِن ذرعه الْقَيْء أَي: سبقه وَغلب عَلَيْهِ وَلم يفْطر، وَأَرَادَ بالآخرين: الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وعلقمة وَالثَّوْري وَأَبا حنيفَة وَأَصْحَابه ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، ويروى ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَعبد الله بن عمر وَأبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَن من ذرعه الْقَيْء لَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على أَن الاستقاء مفطر، وَنقل الْعَبدَرِي عَن أَحْمد أَنه قَالَ: من تقيأ فَاحِشا أفطر، وَقَالَ اللَّيْث وَالثَّوْري وَالْأَرْبَعَة بِالْقضَاءِ، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور، وَعَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس: أَنه لَا يفْطر، وَلَكِن فِي (مُصَنف) ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس: أَنه إِذا تقيأ أفطر، وَنقل ابْن التِّين عَن طَاوُوس عدم الْقَضَاء، قَالَ: وَبِه قَالَ ابْن بكير، وَقَالَ ابْن حبيب: لَا قَضَاء عَلَيْهِ فِي التَّطَوُّع دون الْفَرْض، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر: عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة مثل كَفَّارَة الْأكل عَامِدًا فِي رَمَضَان، وَهُوَ قَول عَطاء، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أبي الدَّرْدَاء الْمَذْكُور الَّذِي أخرجه ابْن حبَان وَالْحَاكِم أَيْضا فِي (صَحِيحَيْهِمَا) وَأجَاب أَبُو عمر: أَنه لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: قد يجوز أَن يكون قَوْله: (فَأفْطر) أَي: ضعف فَأفْطر، وَيجوز هَذَا فِي اللُّغَة يَعْنِي: يجوز هَذَا التَّقْدِير فِي اللُّغَة، لتضمن مثل ذَلِك لعلم السَّامع بِهِ كَمَا فِي حَدِيث فضَالة، وَلَكِنِّي قئت فضعفت عَن الصّيام فأفطرت، وَلَيْسَ فِيهِ أَن الْقَيْء كَانَ مُفطرا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: معنى هَذَا الحَدِيث أَن انبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصبح صَائِما مُتَطَوعا فقاء فضعف فَأفْطر لذَلِك، هَكَذَا رُوِيَ فِي بعض الحَدِيث مُفَسرًا، وَأجَاب الْبَيْهَقِيّ بِأَن هَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِي إِسْنَاده فَإِن صَحَّ فَمَحْمُول على الْعَامِد، وَكَأَنَّهُ كَانَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُتَطَوعا بصومه.
وَحَدِيث فضَالة رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا ربيع الْمُؤَذّن، قَالَ: حَدثنَا أَسد قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن أبي حبيب، قَالَ: حَدثنَا أَبُو مَرْزُوق عَن حَنش عَن فضَالة بن عبيد، قَالَ: دعى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشراب فَقَالَ لَهُ: ألم تصبح صَائِما يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بلَى، وَلَكِن قئت) . وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَأَبُو مَرْزُوق اسْمه: حبيب بن الشَّهِيد، وَقيل: زَمعَة بن سليم، قَالَ الْعجلِيّ: مصري تَابِعِيّ ثِقَة، وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وحنش هُوَ ابْن عبد الله الصَّنْعَانِيّ، صنعاء دمشق، روى لَهُ الْجَمَاعَة غير البُخَارِيّ فَإِن قلت: ابْن لَهِيعَة فِيهِ مقَال؟ قلت: الطَّحَاوِيّ أخرجه من أَربع طرق: الأول: مَا ذَكرْنَاهُ الَّذِي فِيهِ ابْن لَهِيعَة والبقية عَن أبي بكرَة عَن روح وَعَن مُحَمَّد بن خُزَيْمَة عَن حجاج وَعَن حُسَيْن بن نصر عَن يحيى بن حسان، قَالُوا: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي مَرْزُوق عَن حَنش عَن فضَالة. . إِلَى آخِره، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عِنْد أهل الْعلم على حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الصَّائِم إِذا ذرعه الْقَيْء فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَإِذا استقاء عمدا فليقض، وَبِه يَقُول الشَّافِعِي وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَهُوَ قَول كل من يحفظ عَنهُ الْعلم، قَالَ: وَبِه أَقْوَال. قَالَ أَصْحَابنَا: وَيَسْتَوِي فِيهِ ملْء الْفَم وَمَا دونه لإِطْلَاق حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع، فَإِن عَاد وَكَانَ ملْء الْفَم لَا يفْسد صَوْمه عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد، قَالَ فِي (الْمُحِيط) : وَهُوَ الصَّحِيح، وَذكر فَتى (قاضيخان) عَن مُحَمَّد وجده، وَعند أبي يُوسُف يفْسد وَإِن أَعَادَهُ، وَكَانَ أقل من ملْء الْفَم يفْسد عِنْد مُحَمَّد وَزفر، وَهَذَا إِذا تقيأ مرّة أَو طَعَاما أَو مَاء، فَإِن تقيأ ملْء فِيهِ بلغما لَا يفْسد عِنْدهمَا، خلافًا لأبي يُوسُف.
ويُذْكَرُ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ يُفْطِرُ
يذكر على صِيغَة الْمَجْهُول عَلامَة التمريض، يَعْنِي: إِذا قاء الصَّائِم يفْطر، يَعْنِي: ينْتَقض صَوْمه، ذكره الْحَازِمِي عَنهُ رِوَايَة عَن بَعضهم، وَيُمكن الْجمع بَين قوليه بِأَن قَوْله: لَا يفْطر، يحمل على مَا فصل فِي حَدِيثه الْمَرْفُوع، وَيحمل قَوْله: أَنه يفْطر، على مَا إِذا تعمد الْقَيْء.
والأوَّلُ أصَحُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute