الرَّاوِي وحاله أصلا، وَفِي طَرِيق الِاتِّصَال بَيَان لَهُ، وَلَا مُعَارضَة بَين السَّاكِت والناطق، وَلَئِن سلمنَا أَنه روى مُرْسلا أَنه أصح، وَقد وَافقه حَدِيث مُتَّصِل وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة بنت طَلْحَة، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْمُزنِيّ قَالَ: حَدثنَا الشَّافِعِي، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن طَلْحَة بن يحيى عَن عمته عَائِشَة بنت طَلْحَة (عَن عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهُ: يَا رَسُول الله إِنَّا قد خبأنا لَك حَيْسًا، فَقَالَ: أما إِنِّي كنت أُرِيد الصَّوْم، وَلَكِن قربيه سأصوم يَوْمًا مَكَان ذَلِك) . قَالَ: مُحَمَّد هُوَ ابْن إِدْرِيس، سَمِعت سُفْيَان عَامَّة مجالستي إِيَّاه لَا يذكر فِيهِ (سأصوم يَوْمًا مَكَان ذَلِك) ، قَالَ: ثمَّ إِنِّي عرضت عَلَيْهِ الحَدِيث قبل أَن يَمُوت بِسنة فَأجَاب، فِيهِ: سأصوم يَوْمًا مَكَان ذَلِك، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه الْكَبِير) من طَرِيق الطَّحَاوِيّ وَفِي كِتَابه (الْمعرفَة) أَيْضا، فَفِي هَذَا الحَدِيث ذكر وجوب الْقَضَاء. وَفِي حَدِيث عَائِشَة مَا قد وَافق ذَلِك.
ثمَّ انْظُر مَا أَقُول لَك، من الْعجب العجاب، وَهُوَ أَن أَحْمد قَالَ: هَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ جمَاعَة عَن سُفْيَان دون هَذِه اللَّفْظَة، وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن طَلْحَة ابْن يحيى دون اللَّفْظَة مِنْهُم: سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد ووكيع بن الْجراح وَيحيى بن سعيد الْقطَّان ويعلى بن عبيد وَغَيرهم، وَأخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه) من حَدِيث عبد الْوَاحِد وَغَيره دون هَذِه اللَّفْظَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (السّنَن الْكَبِيرَة) : رِوَايَة هَؤُلَاءِ تدل على خطأ هَذِه اللَّفْظَة، وَهَذَا الْعجب العجاب مِنْهُ أَن يخطِّيء هَهُنَا إِمَامه الشَّافِعِي ويخطِّىء مثل سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالشَّافِعِيّ إِمَام ثِقَة، وروى هَذِه اللَّفْظَة من مثل سُفْيَان الَّذِي هُوَ من أكبر مشايخه، ثمَّ لم يذكر خِلَافه عَنهُ، ثمَّ يتَلَفَّظ بِمثل هَذَا الْكَلَام البشيع لأجل تَضْعِيف مَا احتجت بِهِ الْحَنَفِيَّة، وغمض عَيْنَيْهِ من جِهَة الشَّافِعِي وَمن جِهَة شَيْخه، وَلَيْسَ هَذَا من دأب الْعلمَاء الراسخين، فضلا عَن الْعلمَاء المقلدين.
وَأما قَول البُخَارِيّ والذهلي: إِنَّه لَا يَصح، فَهُوَ نفي، وَالْإِثْبَات مقدم عَلَيْهِ. وَقَوله: قَالَ النَّسَائِيّ هَذَا خطأ دَعْوَى بِلَا إِقَامَة برهَان، لِأَن كَونه مُرْسلا على زعمهم لَا يسْتَلْزم كَونه خطأ، وَقَول أبي عمر فِيهِ وهمان: أَحدهمَا: أَن قَوْله: مدَار حَدِيث يحيى بن سعيد على يحيى بن أَيُّوب غَفلَة مِنْهُ، فَإِنَّهُ هُوَ بعد هَذَا بأسطر رَوَاهُ من رِوَايَة أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن يحيى بن سعيد وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة. وَالثَّانِي: أَن قَوْله: وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم مَتْرُوك الحَدِيث، قد انْقَلب عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم فَظن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن حَبِيبَة، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث وَلَيْسَ هُوَ الرَّاوِي لهَذَا الحَدِيث، وَهَذَا إِسْمَاعِيل بن عقبَة، احْتج بِهِ البُخَارِيّ، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة أبي دَاوُد الَّتِي تقدّمت وذكرناها آنِفا زميل مولى عُرْوَة عَن عُرْوَة، قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح لزميل سَماع من عُرْوَة وَلَا ليزِيد من زميل، وَلَا تقوم بِهِ الْحجَّة. قلت: فِي (سنَن) النَّسَائِيّ التَّصْرِيح بِسَمَاع يزِيد مِنْهُ، وَقَول البُخَارِيّ لَا يَصح لزميل سَماع عَن عُرْوَة نفي فَيقدم عَلَيْهِ الْإِثْبَات، وزميل هُوَ ابْن عَبَّاس أَو عَيَّاش مولى عُرْوَة قيل: بِضَم الزَّاي وَفتح الْمِيم، وَقيل: بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْمِيم، وَلِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، طَرِيق آخر رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن عِيسَى عَن ابْن وهب عَن جرير بن حَازِم عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، الحَدِيث وَفِي آخِره قَالَ: صوما يَوْمًا مَكَانَهُ، وَأخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) عَن ابْن قُتَيْبَة عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب، وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) وَأحسن حَدِيث فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث ابْن الْهَاد عَن زميل عَن عُرْوَة، وَحَدِيث جرير بن حَازِم عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس، أخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة خطاب بن الْقَاسِم عَن خصيف عَن عِكْرِمَة (عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دخل على حَفْصَة وَعَائِشَة وهما صائمتان، ثمَّ خرج فَرجع وهما يأكلان، فَقَالَ: ألم تَكُونَا صائمتين؟ قَالَتَا: بلَى، وَلَكِن أهدي لنا هَذَا الطَّعَام فأعجبنا فأكلنا مِنْهُ، فَقَالَ: صوما يَوْمًا مَكَانَهُ) فَإِن قلت: قَالَ النَّسَائِيّ وَابْن عبد الْبر: هَذَا الحَدِيث مُنكر؟ قلت: إِنَّمَا قَالَا ذَلِك بِسَبَب خطاب ابْن الْقَاسِم عَن خصيف، لِأَن فيهمَا مقَالا فِيمَا قَالَه عبد الْحق، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: خطاب ثِقَة، قَالَه ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة، وَلَا أحفظ لغَيْرِهِمَا فِيهِ مَا يُنَاقض ذَلِك. وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَيحيى بن معِين وَأَبُو زرْعَة وَالْعجلِي: خصيف ثِقَة، عَن ابْن معِين: صَالح، وَعنهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَعَن أَحْمد لَيْسَ بِحجَّة.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي (تَارِيخ الضُّعَفَاء) من حَدِيث مُحَمَّد ابْن أبي سَلمَة عَن مُحَمَّد بن عمر وَعَن أبي سَلمَة (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: أهديت لعَائِشَة وَحَفْصَة هَدِيَّة وهما صائمتان فأكلتا مِنْهَا، فذكرتا ذَلِك لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: اقضيا يَوْمًا مَكَانَهُ وَلَا تعودا) . أوردهُ فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن أبي سَلمَة الْمَكِّيّ، وَقَالَ: لَا يُتَابع على حَدِيثه.
وَمِنْهَا: حَدِيث أم سَلمَة، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ