للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ أنَسٌ نَهىَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ المُزَابَنَةِ والمُحَاقَلَةِ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسَيَأْتِي هَذَا التَّعْلِيق مَوْصُولا فِي: بَاب المخاصرة والمحاقلة، مفاعلة من الحقل، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْقَاف: وَهُوَ الزَّرْع، وموضعه، وَهِي: بيع الْحِنْطَة فِي سنبلها بحنطة صَافِيَة. وَقيل: هِيَ الْمُزَارعَة بِالثُّلثِ أَو الرّبع أَو نَحوه مِمَّا يخرج مِنْهَا، فَيكون كالمخابرة. وروى جَابر: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن المخابرة والمحاقلة) . والمحاقلة: أَن يَبِيع الرجل الزَّرْع قبل إِدْرَاكه، وَقَالَ اللَّيْث: بِمِائَة فرق من الْحِنْطَة، وَالْمُخَابَرَة: كِرَاء الأَرْض بِالثُّلثِ أَو الرّبع، وَقيل: هِيَ بيع الزَّرْع قبل إِدْرَاكه. وَقَالَ اللَّيْث: الحقل الزَّرْع إِذا تشعب قبل أَن يغلظ. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: إِذا كَانَت المحاقلة مَأْخُوذَة من هَذَا فَهُوَ بيع الزَّرْع قبل إِدْرَاكه. قَالَ: والمحقلة المزرعة، وَقيل: لَا تنْبت البقلة إلَاّ الحقلة. وَقَالَ أَبُو عبيد: المحاقلة مَأْخُوذَة من الحقل، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النَّاس: القراح، بالعراق. وَفِي الحَدِيث: (مَا تَصْنَعُونَ بمحاقلكم؟) أَي: بمزارعكم. وَتقول للرجل: أحقل، أَي: ازرع، وَإِنَّمَا وَقع الْخطر فِي المحاقلة والمزابنة لِأَنَّهُمَا من الْكَيْل، وَلَيْسَ يجوز شَيْء من الْكَيْل وَالْوَزْن إِذا كَانَا من جنس وَاحِد إلَاّ يدا بيد، ومثلاً بِمثل. وَهَذَا مَجْهُول لَا يدْرِي أَيهمَا أَكثر.

٣٨١٢ - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُو صَلَاحُهُ ولَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ بالتَّمْرِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا تَبِيعُوا الثَّمر بِالتَّمْرِ) فَإِنَّهُ بيع الْمُزَابَنَة. قَوْله: (التَّمْر) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْمِيم. وَقَوله: (بالثمر) بالثاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْمِيم، وَهُوَ الرطب.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل، بِضَم الْعين. والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن جحين بن الْمثنى عَن اللَّيْث.

قَوْله: (يَبْدُو صَلَاحه) أَي: يظْهر. قَالَ النَّوَوِيّ: يَبْدُو، بِلَا همز، وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُنَبه عَلَيْهِ أَنه يَقع فِي كثير من كتب الْمُحدثين وَغَيرهم: حَتَّى يبدوا، هَكَذَا بِأَلف فِي الْخط، وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب حذفهَا فِي مثل هَذَا للناصب، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي إِثْبَاتهَا إِذا لم يكن ناصب مثل: زيد يبدوا، وَالِاخْتِيَار حذفهَا أَيْضا. وَيَقَع مثله فِي: حَتَّى تزهوا، وَصَوَابه حذف الْألف. قَوْله: (صَلَاحه) هُوَ ظُهُور حمرته أَو صفرته، وَفِي رِوَايَة لمُسلم فِي حَدِيث جَابر: حَتَّى يطعم، وَفِي رِوَايَة: حَتَّى يشقه، والإشقاق أَن يحمر أَو يصفر أَو يُؤْكَل مِنْهُ شَيْء، وَفِي رِوَايَة: حَتَّى تشقح، وَقَالَ سعيد بن مينا الرَّاوِي عَن جَابر: يحمارَّ ويصفارَّ ويؤكل مِنْهَا. وَفِي رِوَايَة للطحاوي، فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: حَتَّى يُؤْكَل مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي حَدِيث جَابر: حَتَّى يطيب، وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: حَتَّى يصلح، وَفِي رِوَايَة لمُسلم فِي حَدِيث ابْن عمر: مَا صَلَاحه؟ قَالَ: تذْهب عاهته.

ثمَّ إعلم أَن بَدو الصّلاح متفاوت بتفاوت الأثمار، فبدو صَلَاح التِّين أَن يطيب وتوجد فِيهِ الْحَلَاوَة وَيظْهر السوَاد فِي أسوده وَالْبَيَاض فِي أبيضه، وَكَذَلِكَ الْعِنَب الْأسود بَدو صَلَاحه أَن يتَحَوَّل إِلَى السوَاد وَأَن ينحو أبيضه إِلَى الْبيَاض مَعَ النضج، وَكَذَلِكَ الزَّيْتُون بَدو صَلَاحه أَن يتَحَوَّل إِلَى السوَاد، وبدو صَلَاح القثاء والفقوص أَن ينْعَقد ويبلغ مبلغا يُوجد لَهُ طعم، وَأما البطيح فَإِن ينحو نَاحيَة الاصفرار وَالطّيب، وَأما اللوز، فروى أَشهب وَابْن نَافِع عَن مَالك: أَنه يُبَاع إِذا بلغ فِي شَجَره قبل أَن يطيب، فَإِنَّهُ لَا يطيب حَتَّى ينْزع، وَأما الجزر واللفت والفجل والثوم والبصل فبدو صَلَاحه إِذا اسْتَقل ورقه وَتمّ وانتفع بِهِ، وَلم يكن فِي قلعه فَسَاد، وَالْبر والفول والجلبان والحمص والعدس إِذا يبس، والياسمين وَسَائِر الْأَنْوَار أَن يفتح أكمامه وَيظْهر نوره، والقصيل والقصب والقرطم إِذا بلغ أَنه يرْعَى دون فَسَاد.

ذكر مَذَاهِب الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب: قَالَ النَّوَوِيّ: فَإِن بَاعَ الثَّمر قبل بَدو صَلَاحه بِشَرْط الْقطع صَحَّ بِالْإِجْمَاع. قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَو شَرط الْقطع ثمَّ لم يقطع فَالْبيع صَحِيح، وَيلْزمهُ البَائِع بِالْقطعِ، فَإِن تَرَاضيا على إبقائه جَازَ، وَإِن بَاعَ بِشَرْط التبقية فَالْبيع بَاطِل بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ رُبمَا تتْلف الثَّمَرَة قبل إِدْرَاكهَا، فَيكون البَائِع قد أكل مَال أَخِيه بِالْبَاطِلِ، وَأما إِذا شَرط الْقطع فقد انْتَفَى هَذَا الضَّرَر، وَإِن بَاعهَا مُطلقًا بِلَا شَرط الْقطع فمذهبنا وَمذهب الْجُمْهُور أَن البيع بَاطِل، وَبِه

<<  <  ج: ص:  >  >>