للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جزم بِهِ الْكرْمَانِي، مَعَ الِاحْتِمَال الْقوي أَنه عبد اللَّه بن عمر بن الْخَاطِب، رَضِي الله عَنْهُمَا. وَلَا يلْزم من عدم وجدان هَذَا الْقَائِل مَعَ تتبعه عَن عبد اللَّه بن عمر فِي ذَلِك شَيْئا صَرِيحًا أَن لَا يكون عَنهُ رِوَايَة فِي هَذَا الْبَاب، وَأَن لَا يكون هُوَ عبد اللَّه بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله عَنْهُمَا. قَوْله: (ذَلِك جَائِزا) إِشَارَة إِلَى كل وَاحِد من: المناولة وَالْكِتَابَة بِاعْتِبَار الْمَذْكُور، وَقد وَردت الْإِشَارَة بذلك إِلَى الْمثنى، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {عوان بَين ذَلِك} (الْبَقَرَة: ٦٨) .

ثمَّ اعْلَم أَن البُخَارِيّ، رَحمَه الله، بوب على أَعلَى الْإِجَازَة، وَنبهَ على جنس الْإِجَازَة بِذكر نَوْعَيْنِ مِنْهَا، فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أوجه لأصول الرِّوَايَة، وَقد تقدّمت الثَّلَاثَة الأول فِي الْبَابَيْنِ الْأَوَّلين. وَأما الرَّابِع: فالمناولة المقرونة بِالْإِجَازَةِ، وَصورتهَا أَن يَقُول الشَّيْخ: هَذِه روايتي، أَو حَدِيثي عَن فلَان، فاروه عني، أَو: أجزت لَك رِوَايَته عني، ثمَّ يملكهُ الْكتاب. أَو يَقُول: خُذْهُ وانسخه، وقابل بِهِ ثمَّ رده إِلَيّ، أَو نَحوه، أَو يَأْتِي إِلَيْهِ بِكِتَاب فيتأمله الشَّيْخ الْعَارِف المتيقظ ويعيده إِلَيْهِ، فَيَقُول لَهُ: وقفت على مَا فِيهِ وَهُوَ رِوَايَته، فاروه عني. أَو: أجزت لَك ذَلِك، وَهَذَا كالسماع بِالْقُوَّةِ عِنْد جمَاعَة، حَكَاهُ الْحَاكِم عَنْهُم، مِنْهُم: الزُّهْرِيّ، وَرَبِيعَة، وَيحيى الْأنْصَارِيّ، وَمُجاهد، وَابْن الزبير، وَابْن عُيَيْنَة فِي جمَاعَة من المكيين و: عَلْقَمَة وَإِبْرَاهِيم وَقَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة وَابْن وهب وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَغَيرهم، وروى الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبد اللَّه الْعمريّ أَنه قَالَ: دفع إِلَيّ ابْن شهَاب صحيفَة فَقَالَ: إنسخ مَا فِيهَا وَحدث بِهِ عني. قلت: أَو يجوز ذَلِك؟ قَالَ: نعم، ألم تَرَ إِلَى الرجل يشْهد على الْوَصِيَّة وَلَا يفتحها، فَيجوز ذَلِك وَيُؤْخَذ بِهِ. قَالَ أَبُو عمر وَابْن الصّلاح: وَالصَّحِيح أَنَّهَا منحطة عَن السماع وَالْقِرَاءَة، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن الْمُبَارك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، والبويطي والمزني صَاحِبيهِ، وَأحمد وَإِسْحَاق وَيحيى بن يحيى، وَمِنْه أَن يناول الشَّيْخ الطَّالِب سَمَاعه ويخبره بِهِ، ثمَّ يمسِكهُ الشَّيْخ، وَهَذِه دونه، لكنه يجوز الرِّوَايَة بهَا إِذا وجد الْكتاب أَو مَا قوبل بِهِ كَمَا يعْتَبر فِي الْإِجَازَة الْمُجَرَّدَة فِي معِين. الْخَامِس: المناولة الْمُجَرَّدَة، مثل أَن يناوله مُقْتَصرا على قَوْله: هَذَا سَمَاعي، وَلَا يَقُول إروه عني، أَو أجزت لَك رِوَايَته، وَنَحْوه. قَالَ ابْن الصّلاح: لَا يجوز الرِّوَايَة بهَا على الصَّحِيح، وَقد أجَاز بهَا الرِّوَايَة جمَاعَة. السَّادِس: الْكِتَابَة المقرونة، مثل أَن يكْتب مسموعه لغَائِب أَو حَاضر بِخَطِّهِ أَو بأَمْره، وَيَقُول: أجزت لَك مَا كتبت إِلَيْك، وَنَحْوه، وَهِي مثل المناولة فِي الصِّحَّة وَالْقُوَّة. السَّابِع: الْكِتَابَة الْمُجَرَّدَة، أجازها الْأَكْثَرُونَ مِنْهُم أَيُّوب وَمَنْصُور وَاللَّيْث وَأَصْحَاب الْأُصُول وَغَيرهم، وعدوه من الْمَوْصُول لإشعاره بِمَعْنى الْإِجَازَة. وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: هِيَ أقوى من الْإِجَازَة، واكتفوا فِيهَا بِمَعْرِِفَة الْخط. وَالصَّحِيح أَنه يَقُول فِي الرِّوَايَة بهَا: كتب إِلَيّ فلَان، أَو أَخْبرنِي كِتَابَة، وَنَحْوه. وَلَا يجوز إِطْلَاق: حَدثنَا وَأخْبرنَا فِيهِ، وأجازهما اللَّيْث وَمَنْصُور وَغَيرهم. الثَّامِن: الْإِجَازَة، وأقواها أَن يُجِيز معينا لمُعين، كأجزتك البُخَارِيّ وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ فهرسته، وَالصَّحِيح جَوَاز الرِّوَايَة وَالْعَمَل، وَقَالَ الْبَاجِيّ: لَا خلاف فِي جَوَاز الرِّوَايَة وَالْعَمَل بِالْإِجَازَةِ، وَادّعى الْإِجْمَاع فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْعَمَل. وَقَالَ ابْن الصّلاح وَغَيره: وَالصَّحِيح ثُبُوت الْخلاف، وَجَوَاز الرِّوَايَة بهَا، إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الشَّافِعِي، وَهُوَ قَول جمَاعَة. وَقَالَ شُعْبَة: لَو صحت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة. وَعَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم قَالَ: سَأَلت مَالِكًا عَن الْإِجَازَة، فَقَالَ: لَا أرى ذَلِك، وَإِنَّمَا يُرِيد أحدهم أَن يُقيم الْمقَام الْيَسِير وَيحمل الْعلم الْكثير. وَقَالَ الْخَطِيب: قد ثَبت عَن مَالك أَنه كَانَ يصحح الرِّوَايَة وَالْإِجَازَة بهَا، وَيحمل هَذَا القَوْل من مَالك على كَرَاهَة أَن يُجِيز الْعلم لمن لَيْسَ من أَهله وَلَا خدمه. وَمِنْهَا: أَن يُجِيز غير معيّن بِوَصْف الْعُمُوم، كأجزت الْمُسلمين، وَأهل زماني. فَفِيهِ خلاف الْمُتَأَخِّرين.

واحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الحجَازِ فِي المُناوَلَةِ بِحَدِيثِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيثُ كَتبَ لأَمِيرِ السَّريَّةِ كِتَاباً وَقَالَ: (لَا تقْرَأْهُ حتَّى تَبْلُغَ مَكانَ كَذَا وكَذا) فَلمَّا بَلَغَ ذَلكَ المَكانَ قَرَأَهُ على النَّاسِ وأخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

المُرَاد من بعض أهل الْحجاز هُوَ الْحميدِي شيخ البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ احْتج فِي المناولة أَي فِي صِحَة المناولة، بِحَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع. الأول: أَن هَذَا الحَدِيث لم يذكرهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه مَوْصُولا. وَله طَرِيقَانِ: أَحدهمَا مُرْسل ذكره ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي عَن زيد بن بن رُومَان، وَأَبُو الْيَمَان فِي نسخته عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، كِلَاهُمَا عَن عُرْوَة بن الزبير. وَالْآخر مَوْصُول: أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث البَجلِيّ بِإِسْنَاد حسن، وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>