الطَّبَرَانِيّ فِي تَفْسِيره. الثَّانِي: وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَنه جَازَ لَهُ الْإِخْبَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا فِيهِ، وَإِن كَانَ النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، لم يقرأه وَلَا هُوَ قَرَأَ عَلَيْهِ، فلولا أَنه حجَّة لم يجب قبُوله، فَفِيهِ المناولة وَمعنى الْكِتَابَة وَيُقَال: فِيهِ نظر، لِأَن الْحجَّة إِنَّمَا وَجَبت بِهِ لعدم توهم التبديل والتغيير فِيهِ لعدالة الصَّحَابَة، بِخِلَاف من بعدهمْ. حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ. قلت: شَرط قيام الْحجَّة بِالْكِتَابَةِ أَن يكون الْكتاب مَخْتُومًا، وحامله مؤتمناً، والمكتوب إِلَيْهِ يعرف الشَّيْخ، إِلَى غير ذَلِك من الشُّرُوط، لتوهم التَّغْيِير. الثَّالِث: قَوْله: أهل الْحجاز، هِيَ بِلَاد سميت بِهِ لِأَنَّهَا حجزت بَين نجد والغور، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ مَكَّة وَالْمَدينَة ويمامة ومخاليفها، أَي: قراها: كخيبر للمدينة، والطائف لمَكَّة شرفها الله تَعَالَى. قَوْله:(امير السّريَّة) اسْمه عبد اللَّه بن جحش الْأَسدي، أَخُو زَيْنَب، أم الْمُؤمنِينَ. وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: عبد اللَّه بن جحش ابْن ربَاب، أَخُو أبي أَحْمد وَزَيْنَب زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأم حَبِيبَة وَحمْنَة أخوهم عبيد اللَّه، تنصر بِأَرْض الْحَبَشَة. وَعبد اللَّه وَأَبُو أَحْمد كَانَا من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين. وَعبد اللَّه يُقَال لَهُ: المجدع، شهد بَدْرًا وَقتل يَوْم أحد بعد أَن قطع أَنفه وَأذنه. وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: كَانَت هَذِه السّريَّة أول سَرِيَّة غنم فِيهَا الْمُسلمُونَ، وَكَانَت فِي رَجَب من السّنة الثَّانِيَة قبل بدر الْكُبْرَى، بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ ثَمَانِيَة رَهْط من الْمُهَاجِرين، وَكتب لَهُ كتابا وَأمره أَن لَا ينظر حَتَّى يسير يَوْمَيْنِ، ثمَّ ينظر فِيهِ، فيمضي لما أَمر بِهِ، وَلَا يستكره من أَصْحَابه أحدا، فَلَمَّا سَار يَوْمَيْنِ فَتحه، فَإِذا فِيهِ: إِذا نظرت فِي كتابي هَذَا فأمضِ حَتَّى تنزل نَخْلَة، بَين مَكَّة والطائف، فترصد بهَا قُريْشًا، وَتعلم لنا أخبارهم، وَفِيه: وَقتلُوا عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ فِي أول يَوْم من رَجَب واستأسروا اثْنَيْنِ، فَأنْكر عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: مَا أَمرتكُم بِقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام. وَقَالَت قُرَيْش: قد اسْتحلَّ مُحَمَّد الشَّهْر الْحَرَام، فَأنْزل الله تَعَالَى:{يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير}(الْبَقَرَة: ٢١٧) فَهَذِهِ أول غنيمَة، وَأول أَسِير، وَأول قَتِيل قَتله الْمُسلمُونَ انْتهى. والسرية، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: قِطْعَة من الْجَيْش.
٦٤ - حدّثنا إسمْاعِيلُ بن عبدِ اللَّه قَالَ: حدّثني إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَن صالِحٍ عَن ابنِ شِهابٍ عَن عُبَيْدِ اللَّه بنِ عبدِ اللَّه بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعودٍ أنّ عبدَاللَّه بنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنْ رسولَ اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ بِكِتابِهِ رَجُلاً وأَمَرَهُ أَن يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ البْحَرَيْنِ، فدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْن إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ. فَحَسِبْتُ أنّ ابنَ المُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعا عَلَيْهِم رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ..
مُطَابقَة الحَدِيث لجزئي التَّرْجَمَة ظَاهِرَة، أما للجزء الأول فَمن حَيْثُ إِن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ناول الْكتاب لرَسُوله، وَأمر أَن يخبر عَظِيم الْبَحْرين أَن هَذَا الْكتاب كتاب رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَإِن لم يكن سمع مَا فِيهِ وَلَا قَرَأَهُ، وَأما للجزء الثَّانِي فَمن حَيْثُ إِنَّه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كتب كتابا وَبَعثه إِلَى عَظِيم الْبَحْرين ليَبْعَثهُ إِلَى كسْرَى، وَلَا شكّ أَنه كتاب من سَيِّدي ذَوي الْعُلُوم إِلَى بعض الْبلدَانِ.
بَيَان رِجَاله: وهم سِتَّة، الأول: إِسْمَاعِيل بن عبد اللَّه، وَهُوَ ابْن أبي أويس الْمدنِي. الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد، سبط عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الثَّالِث: صَالح بن كيسَان الْغِفَارِيّ الْمدنِي. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، بتصغير الابْن وتكبير الْأَب، أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة. السَّادِس: عبد اللَّه بن عَبَّاس، وَالْكل قد مر ذكرهم.