فعلى هَذَا فَالْأَصَحّ عدم الصِّحَّة لِخُرُوجِهِ عَن اللَّفْظ الْوَارِد فِيهِ.
الرَّابِعَة: إِذا لم يشْتَرط الْوَاهِب الرُّجُوع بعد موت المعمر لنَفسِهِ بل شَرطه لغيره، فَقَالَ: فَإِذا مت فَهِيَ لزيد، قَالَ الرَّافِعِيّ: يَصح وَيَلْغُو الشَّرْط، وَكَذَا لَو قَالَ: أعمرتك عَبدِي فَإِذا مت فَهُوَ حر يَصح، وَيَلْغُو الشَّرْط على الْجَدِيد.
الْخَامِسَة: إِذا لم يذكر الْعُمر فِي العقد بل أوردهُ بِصِيغَة الْهِبَة، كَمَا إِذا قَالَ: وَهبتك هَذِه الدَّار، فَإِذا مت رجعت إليَّ فَهَذَا لَا يَصح، قَالَ الرَّافِعِيّ: ظَاهر الْمَذْهَب فَسَاد الْهِبَة وَالْوَقْف بِالشُّرُوطِ الَّتِي يفْسد بهَا البيع، بِخِلَاف الْعُمْرَى لما فِيهَا من الْإِخْبَار.
السَّادِسَة: إِذا أَتَى بِمَا يَقْتَضِي الْعُمْرَى، وَلَكِن بِصِيغَة البيع، فَقَالَ: مَلكتك هَذِه الدَّار بِعشْرَة عمرك، فَنقل الرَّافِعِيّ عَن ابْن كج أَنه قَالَ: لَا ينْعَقد عِنْدِي جَوَازه تَفْرِيعا على الْجَدِيد. وَقَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ: لَا يجوز، قَالَ شَيخنَا: مَا قَالَه أَبُو عَليّ هُوَ الصَّحِيح نقلا وتوجيهاً، فقد جزم بِهِ ابْن شُرَيْح وَأَبُو إِسْحَاق الْمروزِي وَالْمَاوَرْدِيّ، وَمَا نَقله عَن ابْن كج احْتِمَال، وَقَالَ بِهِ ابْن خيران فِيمَا حَكَاهُ صَاحب التَّحْرِير.
السَّابِعَة: هَل تجوز الْوَصِيَّة بالعمرى بِأَن يَقُول: إِذا مت فَهَذِهِ الدَّار لزيد عمره، كَمَا يجوز تنجيزها؟ فَقَالَ بِهِ الرَّافِعِيّ، وَلكنهَا تعْتَبر من الثُّلُث.
الثَّامِنَة: لَا يجوز تَعْلِيق الْعُمْرَى بِغَيْر موت المعمِر، كَقَوْلِه إِذا مَاتَ فلَان فقد أعمرتك هَذِه الدَّار.
وَأما الرقبى فَهُوَ أَن يَقُول الرجل للرجل: أرقبتك دَاري إِن متُ قبلك فَهِيَ لَك وَإِن مت قبلي فَهِيَ لي، وَهُوَ مُشْتَقّ من الرقوب، فَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا يترقب موت صَاحبه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: ذهب بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم أَن الرقبي جَائِزَة مثل الْعمريّ. وَهُوَ قَول أَحْمد وأسحاق وَفرق بعض أهل الْعلم من أهل الْكُوفَة من أهل الْكُوفَة وَغَيرهم بَين الْعُمْرَى والرقبى، فأجازوا الْعُمْرَى وَلم يجيزوا الرقبى، وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : الْعُمْرَى جَائِزَة للمعمِر لَهُ فِي حَال حَيَاته ولورثته من بعده. قلت: وَهَذَا قَول جَابر بن عبد الله، وَعبد الله ابْن عَبَّاس، وَعبد الله بن عمر وَعلي بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَرُوِيَ عَن شُرَيْح وَمُجاهد وطاووس وَالثَّوْري، وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) أَيْضا: والرقبى بَاطِلَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَمَالك، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: جَائِزَة، بِهِ قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد.
اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا جعَلَكُمْ عُمَّاراً
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن من الْعُمْرَى أَن يكون استعمر بِمَعْنى أعمر، كاستهلك بِمَعْنى أهلك، أَي: أعمركم فِيهَا دِيَاركُمْ ثمَّ هُوَ يَرِثهَا مِنْكُم بعد انْقِضَاء أعماركم، وَفِي (التَّهْذِيب) للأزهري: أَي: أذن لكم فِي عمارتها واستخراج قوتكم مِنْهَا. وَقيل: استعمركم من الْعُمر نَحْو: استبقاكم من الْبَقَاء، وَقيل: استعمركم أَي: عمركم بالعمارة. قَوْله: (عمَّاراً) بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم.
٥٢٦٢ - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ يَحْيى عنْ أبِي سَلَمَةَ عنْ جابرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قضاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعُمْرى أنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله مَا قيل فِي الْعُمْرَى، وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ جَابر هُوَ الَّذِي قيل فِيهَا، وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه بَقِيَّة السِّتَّة: مُسلم فِي الْفَرَائِض عَن القواريري عَن جمَاعَة غَيره، وَأَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَغَيره. وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْأَحْكَام عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ، وَالنَّسَائِيّ فِي الْعُمْرَى عَن عبد الْأَعْلَى وَغَيره، وَابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ، وَمعنى حَدِيثهمْ وَاحِد.
قَوْله: (قضى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: حكم (بالعمرى) أَي بِصِحَّتِهَا. قَوْله: (أَنَّهَا) ، أَي: بِأَنَّهَا، أَي: بِأَن الْهِبَة (لمن وهبت لَهُ) ، ووهبت على صِيغَة الْمَجْهُول.
وروى مُسلم حَدِيث جَابر بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وأسانيد متباينة، أخرج عَن أبي سَلمَة وَلَفظه: الْعُمْرَى لمن وهبت لَهُ. وَعَن