مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله كلهم كوفيون إلَاّ عَائِشَة وَمُحَمّد بن كثير ضد الْقَلِيل وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَشْعَث، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة: هُوَ ابْن سليم بن الْأسود الْمحَاربي وَأَبوهُ أَبُو الشعْثَاء مثل حُرُوف أَشْعَث. واسْمه سليم الْمَذْكُور، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن أَشْعَث بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن هناد وَعَن ابْن الْمثنى وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن عبد بن حميد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ وَعَن حَفْص بن عمر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هناد بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَعِنْدِي رجل) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. وَفِي رِوَايَة:(وَعِنْدِي رجل قَاعد، فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِ وَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه، قَالَ: يَا عَائِشَة من هَذَا؟ فَقلت: يَا رَسُول الله! إِنَّه أخي من الرضَاعَة) . قَوْله:(أنظرن) ، من النّظر الَّذِي بِمَعْنى التفكير والتأمل. قَوْله:(من؟) استفهامية. قَوْله:(إخوانكن) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(إخوتكن) وَكِلَاهُمَا جمع: أَخ، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْأَخ أَصله أَخُو، بِالتَّحْرِيكِ، لِأَنَّهُ جمع على: آخا، مثل: آبَاء، والذاهب مِنْهُ وَاو، وَيجمع أَيْضا على إخْوَان مثل: خرب وخربان، وعَلى إخْوَة وأُخوة، عَن الْفراء. قَوْله:(فَإِنَّمَا الرضَاعَة) ، الْفَاء فِيهِ للتَّعْلِيل لقَوْله:(أنظرن من إخوانكن) يَعْنِي: لَيْسَ كل من أرضع لبن أمهَا يصير أَخا لَكِن، بل شَرطه أَن يكون من المجاعة، أَي: الْجُوع، أَي: الرضَاعَة الَّتِي تثبت بهَا الْحُرْمَة مَا يكون فِي الصغر حَتَّى يكون الرَّضِيع طفْلا يسد اللَّبن جوعته، وَأما مَا كَانَ بعد الْبلُوغ فَلَا يسدها اللَّبن وَلَا يشبعه إلَاّ الْخبز. وَقيل: مَعْنَاهُ أَن المصة والمصتين لَا تسد الْجُوع، وَكَذَلِكَ الرَّضَاع بعد الْحَوْلَيْنِ، وَإِن بلغ خمس رَضعَات، وَإِنَّمَا يحرم إِذا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ قدر مَا يدْفع المجاعة. وَهُوَ مَا قدر بِهِ السّنة يَعْنِي: خمْسا، أَي: لَا بُد من اعْتِبَار الْمِقْدَار وَالزَّمَان، قَالَه الْكرْمَانِي: قلت: فِيهِ خلاف فِي الْمِقْدَار وَالزَّمَان. أما الْمِقْدَار: فقد قَالَ الشَّافِعِي وَأَصْحَابه: لَا يثبت الرَّضَاع بِأَقَلّ من خمس رَضعَات، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَعنهُ: ثَلَاث رَضعَات، وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء: يثبت برضعة وَاحِدَة، حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وطاووس وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَكْحُول وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة وَالْحكم وَحَمَّاد وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر، رَحِمهم الله: يثبت بِثَلَاث رَضعَات، وَلَا يثبت بِأَقَلّ، وَبِه قَالَ سُلَيْمَان بن يسَار وَسَعِيد بن جُبَير وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ، وَحَكَاهُ ابْن حزم عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَاحْتج الشَّافِعِي، وَمن مَعَه بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت:(كَانَ فِيمَا نزل من الْقُرْآن عشر رَضعَات يحرمن ثمَّ نسخن بِخمْس مَعْلُومَات، فَتوفي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي فِيمَا يقرؤ من الْقُرْآن) . رَوَاهُ مُسلم، وعنها:(أَنَّهَا لَا تحرم المصة والمصتان) ، رَوَاهُ مُسلم أَيْضا، وَاحْتج أَبُو حنيفَة وَمن مَعَه بِإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى:{وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم}(النِّسَاء: ٣) . وَلم يذكر عددا وَالتَّقْيِيد بِهِ زِيَادَة، وَهُوَ نسخ ولإطلاق الْأَحَادِيث مِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب) ، وَقد مضى ذكره عَن قريب، وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخ، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: قَوْله: (لَا تحرم الرضعة والرضعتان) ، كَانَ فأمااليوم فالرضعة الْوَاحِدَة تحرم، فَجعله مَنْسُوخا، حَكَاهُ أَبُو بكر الرَّازِيّ، وَقيل: الْقُرْآن لَا يثبت بِخَبَر الْوَاحِد، وَإِذا لم يثبت قُرْآنًا لم يثبت خبر وَاحِد عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن بطال: أَحَادِيث عَائِشَة مضطربة فَوَجَبَ تَركهَا. وَالرُّجُوع إِلَى كتاب الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ يرويهِ ابْن زيد مرّة عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمرَّة عَن عَائِشَة، وَمرَّة عَن أَبِيه