للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصَّحَابَة بِالتَّحْرِيمِ: ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة على اخْتِلَاف عَنْهَا، وَمن التَّابِعين: عُرْوَة بن الزبير وطاووس وَابْن شهَاب وَمُجاهد وَأَبُو الشعْثَاء جَابر بن زيد وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَسَالم وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَهِشَام بن عُرْوَة، على اخْتِلَاف فِيهِ. وَمن الْأَئِمَّة: أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأصحابهم وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر. وَأما من رخص فِي لبن الْفَحْل وَلم يره محرما فقد رُوِيَ ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: ابْن عمر وَجَابِر وَرَافِع بن خديج وَعبد الله بن الزبير، وَمن التَّابِعين: سعيد بن الْمسيب وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَسليمَان بن يسَار أَخُوهُ عَطاء بن يسَار وَمَكْحُول وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو قلَابَة وَإيَاس بن مُعَاوِيَة، وَمن الْأَئِمَّة: إِبْرَاهِيم بن علية وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) . وَالْمَعْرُوف عَن دَاوُد خِلَافه، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: لم يقل أحد من أَئِمَّة الْفُقَهَاء وَأهل الْفَتْوَى بِإِسْقَاط حُرْمَة لبن الْفَحْل إلَاّ أهل الظَّاهِر، وَابْن علية، وَالْمَعْرُوف عَن دَاوُد مُوَافقَة مواتفقة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فِي ذَلِك حَكَاهُ ابْن حزم عَنهُ فِي (الْمحلى) وَكَذَا ذهب إِلَيْهِ ابْن حزم. فَلم يبْق مِمَّن خَالف فِيهِ إِذا إلَاّ ابْن علية.

وَاعْلَم أَنهم أَجمعُوا على انتشار الْحُرْمَة بَين الْمُرضعَة وَأَوْلَاد الرَّضِيع وَأَوْلَاد الْمُرضعَة، وَمذهب كَافَّة الْعلمَاء ثُبُوت حُرْمَة الرَّضَاع بَينه وَبَين زوج الْمَرْأَة، وَيصير ولدا لَهُ وَأَوْلَاد الرجل أخوة الرَّضِيع وإخواته وَيكون أخوة الرجل وإخواته أَعْمَامه وعماته، وَيكون أَوْلَاد الرَّضِيع أَوْلَادًا للرجل وَلم يُخَالف فِي هَذَا إِلَّا ابْن علية، كَمَا ذكرنَا. وَنَقله الْمَازرِيّ عَن ابْن عمر وَعَائِشَة. وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى: {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} (النِّسَاء: ٣٢) . وَلم يذكر الْبِنْت والعمة كَمَا ذكرهمَا فِي النّسَب، وَاحْتج الْجُمْهُور بِحَدِيث الْبَاب وَغَيره من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة فِي عَم عَائِشَة وَعم حَفْصَة، وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ من الْآيَة أَنه: لَيْسَ فِيهَا نَص بِإِبَاحَة الْبِنْت والعمة وَنَحْوهمَا، لِأَن ذكر الشَّيْء لَا يدل على سُقُوط الحكم عَمَّا سواهُ، لَو لم يُعَارضهُ دَلِيل آخر، كَيفَ وَقد جَاءَت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي ذَلِك؟

٦٤٦٢ - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرٍ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عبدِ الرحمانِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْها أنَّ رسولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ عِنْدَها وأنَّها سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ قالَتْ عائِشَةُ فقُلْتُ يَا رسولَ الله أُرَاهُ فُلاناً لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ فقالتْ عائِشَةُ يَا رسولَ الله هذَا رَجُلٌ يَسْتَأذِنُ فِي بَيْتِكَ قالتْ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُرَاهُ فُلاناً لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ فقالتْ عائِشَةُ لوْ كانَ فُلانٌ حَيَّاً لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ دَخلَ علَيَّ فَقال رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَمْ إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الوِلَادَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ حكم الرَّضَاع، وَعبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ. وَرِجَال إِسْنَاده كلهم مدنيون إلَاّ شَيْخه، وَقد دَخلهَا.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْخمس: عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي النِّكَاح عَن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هَارُون بن عبد الله.

قَوْله: (وَأَنَّهَا) أَي: وَأَن عَائِشَة. قَوْله: (يسْتَأْذن) ، جملَة فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة: رجل. قَوْله: (أرَاهُ) ، بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ الْقَائِل بقوله: أرَاهُ فلَانا، هُوَ عَائِشَة. وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَقَالَت عَائِشَة: يَا رَسُول الله! هَذَا رجل يسْتَأْذن فِي بَيْتك؟ فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أرَاهُ فلَانا، لعم حَفْصَة) . الحَدِيث، وَالْقَائِل هُوَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (لعم حَفْصَة) اللَّام فِيهِ وَفِي قَوْلهَا: لعمها، لَام التَّبْلِيغ لسامع بقول أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ، كاللام فِي قَوْلك. قلت لَهُ: وأذنت لَهُ، وفسرت لَهُ، وَمَعَ هَذَا لَا يَخْلُو عَن معنى التَّعْلِيل، فَافْهَم. (وَحَفْصَة) هِيَ زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي بنت عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (دخل عليَّ) ، بتَشْديد الْيَاء والاستفهام فِيهِ مُقَدّر تَقْدِيره: هَل كَانَ يجوز لَهُ أَن يدْخل عَليّ؟ فَقَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جوابها: (نعم) يَعْنِي: نعم يجوز دُخُوله عَلَيْك، ثمَّ علل جَوَاز دُخُوله عَلَيْهَا بقوله: (إِن الرضَاعَة تحرم مَا يحرم من الْولادَة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (إِن الرضَاعَة تحرم مَا تحرم الْولادَة) ، وَالرضَاعَة، بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا، وَفِي الرَّضَاع أَيْضا لُغَتَانِ: فتح الرَّاء وَكسرهَا، وَقد

<<  <  ج: ص:  >  >>