قَوْله: فَمِنْهَا مَا أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِيَمِين وَشَاهد، وَقَالَ فِي التَّمْيِيز: إِنَّه حَدِيث صَحِيح لَا يرتاب فِي صِحَّته، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَا مطْعن لأحد فِي صِحَّته وَلَا فِي إِسْنَاده.
وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: بطرِيق الْمَنْع، وَهُوَ أَن مُسلما روى هَذَا الحَدِيث من حَدِيث سيف بن سُلَيْمَان عَن قيس بن سعد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس ... إِلَى آخِره، وَذكر التِّرْمِذِيّ فِي (الْعِلَل الْكَبِير) : سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَنهُ، فَقَالَ: عَمْرو بن دِينَار لم يسمع عِنْدِي هَذَا الحَدِيث من ابْن عَبَّاس، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: قيس لَا نعلمهُ يحدث عَن عَمْرو بن دِينَار بِشَيْء، فقد رمي الحَدِيث بالانقطاع فِي موضِعين من البُخَارِيّ بَين عَمْرو وَابْن عَبَّاس، وَمن الطَّحَاوِيّ بَين قيس وَعَمْرو، رد الْبَيْهَقِيّ فِي (الخلافيات) على الطَّحَاوِيّ، وَأَشَارَ إِلَى أَن قيسا سمع من عَمْرو، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِرِوَايَة وهب بن جرير عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت قيس بن سعد يحدث عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، فَذكر الْمحرم الَّذِي وقصته نَاقَته، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَا يبعد أَن يكون لَهُ عَن عَمْرو غير هَذَا.
قلت: لم يُصَرح أحد من أهل هَذَا الشَّأْن فِيمَا علمنَا أَن قيسا سمع من عَمْرو، لَا يلْزم من قَول جرير: سَمِعت قيسا يحدث عَن عَمْرو، أَن يكون قيس سمع ذَلِك من عَمْرو، وَذكر الذَّهَبِيّ سَيْفا فِي كِتَابه فِي (الضُّعَفَاء) وَقَالَ: رمي بِالْقدرِ، وَقَالَ فِي (الْمِيزَان) : ذكره ابْن عدي فِي (الْكَامِل) وسَاق لَهُ هَذَا الحَدِيث. وَسَأَلَ عَبَّاس يحيى بن معِين عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَضعف أَحْمد بن حَنْبَل مُحَمَّد بن مُسلم، ثمَّ ذكر الْبَيْهَقِيّ هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر من حَدِيث معَاذ بن عبد الرَّحْمَن عَن ابْن عَبَّاس. قلت: رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن ربيعَة ابْن عُثْمَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ الْأَسْلَمِيّ مَكْشُوف الْحَال، مرمي بِالْكَذِبِ وَغَيره من المصائب، وَرَبِيعَة هَذَا، قَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بذلك، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث.
وَالْجَوَاب الآخر: بطرِيق التَّسْلِيم، وَهُوَ أَنه من أَخْبَار الْآحَاد، فَلَا يجوز الزِّيَادَة بِهِ على النَّص.
قَوْله: وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد. قلت: هَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: حَدثنَا أَحْمد