ابْن أبي بكر أَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ حَدثنَا الدَّرَاورْدِي عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وَقَالا: حَدِيث حسن غَرِيب. قُلْنَا: هَذَا حَدِيث مَعْلُول، لِأَن عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي قد سَأَلَ سهيلاً عَنهُ فَلم يعرفهُ، وَهَذَا قدح فِيهِ، لِأَن الْخصم يضعف الحَدِيث بِمَا هُوَ أدنى من ذَلِك، فَإِن قلت: يجوز أَن يكون رَوَاهُ ثمَّ نَسيَه. قلت: يجوز أَن يكون وهم فِي أول الْأَمر، وروى مَا لم يكن سَمعه، وَقد علمنَا أَن آخر أمره كَانَ جحوده وفقد الْعلم بِهِ، فَهُوَ أولى، وَقَالَ صَاحب (الْجَوْهَر النقي) : فِيهِ مَعَ نِسْيَان سُهَيْل أَنه قد اخْتلف عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ زُهَيْر بن مُحَمَّد عَنهُ عَن أَبِيه عَن زيد بن ثَابت كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ.
قَوْله: وَمِنْهَا حَدِيث جَابر، مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة، أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو عوَانَة قلت أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن اسماعيل بن جَعْفَر دحدثنا جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد. انْتهى، الأول مَرْفُوع، وَالثَّانِي مُرْسل، وَعبد الْوَهَّاب اخْتَلَط فِي آخر عمره، كَذَا ذكره ابْن معِين وَغَيره وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ ثِقَة وَفِيه ضعف. وَقَالَ ابْن الْمهْدي: أَرْبَعَة كَانُوا يحدثُونَ من كتب النَّاس وَلَا يحفظون ذَلِك الْحِفْظ، فَذكر مِنْهُم عبد الْوَهَّاب، وَقد خَالفه فِي هَذَا الحَدِيث من هُوَ أكبر مِنْهُ وأوثق كمالك وَغَيره، فَأَرْسلُوهُ. وَقَالَ صَاحب (التَّمْهِيد) : إرْسَاله أشهر. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ إِن الْمُرْسل أصح، وَكَذَا روى الثَّوْريّ عَن جَعْفَر عَن أَبِيه مُرْسلا، وَلِهَذَا ذكر فِي كتاب الْمعرفَة: أَن الشَّافِعِي لم يحْتَج بِهَذَا الحَدِيث فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، لذهاب بعض الْحفاظ إِلَى كَونه غَلطا، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل: وَفِي الْبَاب عَن نَحْو من عشْرين من الصَّحَابَة، فِيهَا الحسان والضعاف، وَبِدُون ذَلِك تثبت الشُّهْرَة وَدَعوى نسخه مرودودة. قلت: الْجَواب ثُبُوت الشُّهْرَة بذلك، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَأما قَوْله: وَدَعوى نسخه مَرْدُودَة، فمردود لِأَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ) ، وَقَوله:(الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر) يرد مَا قَالَه: وَكَذَا قَوْله: شَاهِدَاك أَو يَمِينه مَعَ ظَاهر الْقُرْآن، لِأَنَّهُ أوجب عِنْد عدم الرجلَيْن قبُول رجل وَامْرَأَتَيْنِ، وَإِذا وجد شَاهد وَاحِد فالرجلان معدومان، فَفِي قبُوله مَعَ الْيَمين نفي مَا اقتضته الْآيَة، وَيُؤَيّد قَول من يَدعِي النّسخ: إِن الْأَشْعَث إِنَّمَا وَفد سنة عشرَة، وَقد قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(شَاهِدَاك أَو يَمِينه) ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ:{مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء}(الْبَقَرَة: ٢٨٢) . وَلَيْسَ الْمُدَّعِي بِشَاهِد وَاحِد مِمَّن يرضى بِاسْتِحْقَاق مَا يَدعِيهِ بقوله وَيَمِينه. وَزَعَمُوا أَن يَمِين الْمُدَّعِي قَائِمَة مقَام الْمَرْأَتَيْنِ، فعلى هَذَا، لَو كَانَ الْمُدَّعِي ذِمِّيا فَأَقَامَ شَاهدا وَجب أَن لَا يقبل مِنْهُ، كَمَا لَو كَانَت المرإتان ذميتين.
وَأما الَّذِي رُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَمنهمْ: ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَزيد بن ثَابت وَجَابِر بن عبد الله وَعلي بن أبي طَالب وسرق وَسعد بن عبَادَة وَعبد الله بن عَمْرو وَعَمْرو بن حزم والمغيرة بن شُعْبَة وزبيب بن ثَعْلَبَة وَعمارَة بن حزم وَعبد الله بن عمر وَرجل لَهُ صُحْبَة وَالزُّبَيْر بن الْعَوام، وَقد ذكرنَا أَحَادِيث: ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. أما حَدِيث زيد ابْن ثَابت فَأخْرجهُ ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) من رِوَايَة زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن زيد بن ثَابت، أوردهُ ابْن عدي فِي تَرْجَمَة زُهَيْر بن مُحَمَّد، قَالَ: لم يقل: عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن زيد غَيره، وَقَالَ أَبُو عمر فِي (التَّمْهِيد) : هَذَا خطأ، وَالصَّوَاب: عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَقَالَ ابْن حبَان: زيد بن ثَابت وهم من زُهَيْر بن مُحَمَّد. وَأما حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخْرجهُ ابْن عدي أَيْضا فِي تَرْجَمَة الْحَارِث بن مَنْصُور الوَاسِطِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: وَهَذَا لَا أعلم رَوَاهُ عَن الثَّوْريّ غير الْحَارِث. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَهَكَذَا روى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُرْسلا. وَأما حَدِيث سرق فَأخْرجهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة عبد الله بن يزِيد مولى المنبعث عَن رجل من أهل مصر عَن سرق، أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أجَاز شَهَادَة الرجل وَيَمِين الطَّالِب، وَهَذَا فِيهِ مَجْهُول. وَأما حَدِيث سعد بن عبَادَة، فَقَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن روى حَدِيث أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة ربيعَة ابْن أبي عبد الرَّحْمَن، قَالَ: قَالَ ربيعَة: وَأَخْبرنِي ابْن سعد بن عبَادَة، قَالَ: وجدنَا فِي كتاب سعد أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالْيَمِينِ مَعَ الشاهذ، هَكَذَا رَوَاهُ غير مُسَمّى. وَأما حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فَرَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) وَابْن عدي أَيْضا من رِوَايَة