للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَتَاهُ) أَي: من أَتَى الْكفَّار مُسلما إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَهُوَ آمن) من الرَّد إِلَى قُرَيْش، فَكتب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أبي بَصِير أَن يقدم عَلَيْهِ، فَقدم الْكتاب وَأَبُو بَصِير فِي النزع، فَمَاتَ وَكتاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي يَده: يَقْرَؤُهُ، فدفنه أَبُو جندل مَكَانَهُ، وَجعل عِنْد قَبره مَسْجِدا. قَوْله: (فَأنْزل الله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم بِبَطن مَكَّة بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} (الْفَتْح: ٤٢) . حَتَّى بلغ: {الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة} (الْفَتْح: ٦٢) . وَتَمام الْآيَة الْمَذْكُورَة {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرًا} (الْفَتْح: ٤٢) . وَبعد هَذِه الْآيَة هُوَ قَوْله: {هم الَّذين كفرُوا وصدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْهَدْي معكوفاً أَن يبلغ مَحَله وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ وَنسَاء مؤمنات لم تعلموهم أَن تطؤهم فتصيبكم مِنْهُم معرة بِغَيْر علم ليدْخل الله فِي رَحمته من يَشَاء لَو تزيلوا لعذبنا الَّذين كفرُوا مِنْهُم عذَابا أَلِيمًا} (الْفَتْح: ٥٢) . وَبعد هَذِه الْآيَة هُوَ قَوْله: {إِذْ جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة} (الْفَتْح: ٦٢) . وَهُوَ معنى قَوْله حَتَّى بلغ {الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة} (الْفَتْح: ٦٢) . وَتَمام هَذِه الْآيَة هُوَ قَوْله: {فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وألزمهم كلمة التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا وَكَانَ الله بِكُل شَيْء عليماً} (الْفَتْح: ٦٢) . قَوْله: {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم} أَي: أَيدي أهل مَكَّة، أَي: قضى بَينهم وَبَيْنكُم الْمُكَافَأَة والمحاجزة بعد مَا خولكم الظفر عَلَيْهِم وَالْغَلَبَة، وَظَاهره: أَنَّهَا نزلت فِي شَأْن أبي بَصِير، وَفِيه نظر، لِأَن نُزُولهَا فِي غَيرهَا، وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن ثَمَانِينَ رجلا من أهل مَكَّة هَبَطُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جبل التَّنْعِيم متسلحين يُرِيدُونَ غرَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه، فَأَخذهُم واستحباهم، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة. وَعَن عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحُدَيْبِيَة فِي أصل الشَّجَرَة الَّتِي ذكر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن، فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ خرج علينا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِم السِّلَاح، فثاروا فِي وُجُوهنَا، فَدَعَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ الله بِأَبْصَارِهِمْ، فقمنا إِلَيْهِم فأخذناهم، فَقَالَ لَهُم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (هَل كُنْتُم فِي عهد أحد؟ أَو جعل لكم أحد أَمَانًا؟) فَقَالُوا: (أللهم لَا) ، فخلى سبيلهم، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة. وَقيل: (كف أَيْدِيكُم) ، بِأَن أَمركُم أَن لَا تَحَارَبُوا الْمُشْركين، وكف أَيْديهم عَنْكُم بإلقاء الرعب فِي قُلُوبهم، وَقيل: بِالصُّلْحِ من الْجَانِبَيْنِ، وَعَن ابْن عَبَّاس: أظهر الله الْمُسلمين عَلَيْهِم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أدخلوهم الْبيُوت (بِبَطن مَكَّة من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} (الْفَتْح: ٤٢) . أَي: كف أَيْدِيكُم عَن الْقِتَال بِبَطن مَكَّة فَهُوَ ظرف لِلْقِتَالِ، وبطن مَكَّة هُوَ الْحُدَيْبِيَة لِأَنَّهَا من أَرض الْحرم، وَقيل: إظفاره دُخُوله بِلَادهمْ بِغَيْر إذْنهمْ بِهِ، وَقيل: أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم بِفَتْح مَكَّة، وَقيل: بِقَضَاء الْعمرَة، وَقيل: نزلت هَذِه الْآيَة بعد فتح مَكَّة. قَوْله: {هم الَّذين كفرُوا} (الْفَتْح: ٥٢) . يَعْنِي: قُريْشًا، وصدوكم عَام الْحُدَيْبِيَة عَن الْمَسْجِد الْحَرَام أَن تطوفوا بِهِ للْعُمْرَة. قَوْله: {وَالْهَدْي} (الْفَتْح: ٥٢) . أَي: وصدوا الْهَدْي. قَوْله: {معكوفاً} (الْفَتْح: ٥٢) . حَال أَي: مَمْنُوعًا: وَقيل: مَوْقُوفا {أَن يبلغ مَحَله} (الْفَتْح: ٥٢) . أَي: منحره، وَهَذَا دَلِيل لأبي حنيفَة على أَن الْمحصر مَحل هَدْيه الْحرم. فَإِن قلت: كَيفَ حل لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن مَعَه أَن ينحروا هديهم بِالْحُدَيْبِية؟ قلت: بعض الْحُدَيْبِيَة من الْحرم، وَرُوِيَ: أَن مضَارب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت فِي الْحل وَمُصَلَّاهُ فِي الْحرم. فَإِن قلت: قد نحر فِي الْحرم، فَلم قيل: {معكوفاً أَن يبلغ مَحَله} (الْفَتْح: ٥٢) . قلت: المُرَاد: الْمحل الْمَعْهُود وَهُوَ منى. قَوْله: {لم تعلموهم} صفة للرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا، أَي: لم تعرفوهم بأعيانهم أَنهم مُؤمنُونَ. قَوْله: {أَن تطؤهم} بدل اشْتِمَال من الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَقيل: من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي {تعلموهم} أَي: أَن توقعوا بهم وتقتلوهم، وَالْوَطْء، والدوس عبارَة عَن الْإِيقَاع والإبادة. قَوْله: {معرة} (الْفَتْح: ٥٢) . أَي: عيب، مفعلة من: عره إِذا دهاه مَا يكرههُ ويشق عَلَيْهِ، وَعَن ابْن زيد: إِثْم، وَعَن ابْن إِسْحَاق: غرم الدِّيَة، وَقيل: الْكَفَّارَة. قَوْله: {ليدْخل الله} (الْفَتْح: ٥٢) . تَعْلِيل لما دلّت عَلَيْهِ الْآيَة من كف الْأَيْدِي عَن أهل مَكَّة وَالْمَنْع من قَتلهمْ صونا لمن بَين أظهرهم من الْمُؤمنِينَ. قَوْله: {لَو تزيلوا} (الْفَتْح: ٥٢) . تميزوا أَي: تميز بَعضهم من بعض، من زاله يُزِيلهُ، وَقيل: تفَرقُوا: {لعذبنا الَّذين كفرُوا} (الْفَتْح: ٥٢) . من أهل مَكَّة، فَيكون: من، للتَّبْعِيض وَقيل: هم الصادقون، فَيكون: من، زَائِدَة. قَوْله: {عذَابا أَلِيمًا} (الْفَتْح: ٥٢) . أَي: بِالْقَتْلِ وَالسيف، وَيجوز: أَن يكون {لوتزيلوا} (الْفَتْح: ٥٢) . كالتكرير: للولا رجال مُؤمنُونَ، لمرجعهما إِلَى معنى وَاحِد، وَيكون: لعذبنا، جَوَابا لَهما. قَوْله: {إِذْ جعل الَّذين كفرُوا} أَي: أذكر حِين {جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم الحمية} (الْفَتْح: ٦٢) . أَي: الأنفة حمية الْجَاهِلِيَّة حِين صدوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه عَن الْبَيْت، وَلم يقرُّوا {بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} وَلَا برسالة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْحمية على وزن: فعيلة من قَول الْقَائِل: فلَان أَنَفَة يحمي حمية ومحمية، أَي: يمْتَنع. قَوْله: {فَأنْزل الله سكينته} (الْفَتْح: ٦٢) . أَي: وقاره {على رَسُوله وعَلى

<<  <  ج: ص:  >  >>