إِلَى آخِره، أنزل الله تَعَالَى على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَقهم هَذَا ثمَّ نسخ بعد ذَلِك. قَوْله: (فَدَعَا) أَي: النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ صباحاً فِي الْقُنُوت. قَوْله: (على رعل) ، بدل من: عَلَيْهِم، بِإِعَادَة الْعَامِل، كَقَوْلِه تَعَالَى: {للَّذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُم} (الْأَعْرَاف: ٥٧) . ورعل، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، وذكوان، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْكَاف، وَعصيَّة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: جَوَاز الدُّعَاء على أهل الْغدر وانتهاك الْمَحَارِم، والإعلان بإسمهم وَالتَّصْرِيح بذكرهم. وَجَاء من حَدِيث أنس فِي بَاب قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} (آل عمرَان: ٩٦١) . أَنه دَعَا عَلَيْهِم ثَلَاثِينَ صباحاً، وَهنا: فَدَعَا عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ صباحاً، وَفِي (الْمُسْتَدْرك) : قنت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشْرين يَوْمًا.
٢٠٨٢ - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنِ الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ عنْ جُنْدَبِ ابنِ سُفْيَانَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ فِي بَعْضِ المَشَاهِدِ وقَدْ دَمِيَتْ إصْبَعُهُ فَقَالَ:
(هلْ أنْتِ إلَاّ إصْبَعٌ دَميتِ ... وفِي سَبِيلِ الله مَا لَقِيتِ)
(الحَدِيث ٢٠٨٢ طرفه فِي: ٦٤١٦) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَقد دميت إصبعه) ، لِأَنَّهُ نكب فِي إصبعه، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين: الوضاح الْيَشْكُرِي، وَالْأسود ابْن قيس أَخُو عَليّ بن قيس البَجلِيّ الْكُوفِي، وجندب، بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَضمّهَا: ابْن عبد الله بن سُفْيَان البَجلِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي نعيم عَن الثَّوْريّ. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن يحيى وقتيبة، كِلَاهُمَا عَن أبي عوَانَة وَعَن أبي بكر وَإِسْحَاق كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير وَفِي الشَّمَائِل عَن ابْن أبي عمر عَن ابْن عُيَيْنَة وَفِي الشَّمَائِل عَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن عَمْرو بن مَنْصُور.
قَوْله: (الْمشَاهد) ، أَي: الْمَغَازِي، وَسميت بهَا لِأَنَّهَا مَكَان الشَّهَادَة. قَوْله: (وَقد دميت أُصْبُعه) ، يُقَال: دمي الشَّيْء يدمى دَمًا، ودمياً، فَهُوَ دم، مثل: فرق يفرق فرقا فَهُوَ فرق، وَالْمعْنَى: أَن إصبعه جرحت فَظهر مِنْهَا الدَّم. قَوْله: (هَل أَنْت؟) مَعْنَاهُ: مَا أَنْت إلَاّ إِصْبَع دمِيتِ. قَالَ النَّوَوِيّ: الرِّوَايَة الْمَعْرُوفَة كسر التَّاء، وسكنها بَعضهم، والإصبع فِيهَا عشر لُغَات: تثليث الْهمزَة، مَعَ تثليث الْبَاء، والعاشرة: أصبوع. قَوْله: (دميت) ، بِفَتْح الدَّال: صفة للإصبغ، والمستثنى فِيهِ أَعم عَام الصّفة أَي: مَا أَنْت يَا إِصْبَع مَوْصُوفَة بِشَيْء إلَاّ بِأَن دميت، كَأَنَّهَا لما توجعت خاطبها على سَبِيل الِاسْتِعَارَة أَو الْحَقِيقَة معْجزَة تسلياً لَهَا، أَي: تثبتي فَإنَّك مَا ابْتليت بِشَيْء من الْهَلَاك وَالْقطع سوى أَنَّك دميت، وَلم يكن ذَلِك أَيْضا هدرا بل كَانَ فِي سَبِيل الله وَرضَاهُ. قيل: كَانَ ذَلِك فِي غَزْوَة أحد. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَار فنكبت أُصْبُعه، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: قَالَ أَبُو الْوَلِيد: لَعَلَّه غازياً فتصحف، كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: فِي بعض الْمشَاهد، وكما جَاءَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: يمشي إِذا أَصَابَهُ حجر، فَقَالَ القَاضِي: قد يُرَاد بِالْغَارِ الْجمع والجيش لَا الْكَهْف، وَمِنْه قَول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَا ظَنك بامرىء جمع بَين هذَيْن الغارين؟ أَي العسكرين قَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) هَذَا شعر وَقد نفى الله تَعَالَى عَنهُ أَن يكون شَاعِر أفلت أجابوا عَنهُ بِوُجُوه بِأَنَّهُ رجز، وَالرجز لَيْسَ بِشعر، كَمَا هُوَ مَذْهَب الْأَخْفَش، وَإِنَّمَا يُقَال لصانعه: فلَان الراجز، وَلَا يُقَال: الشَّاعِر، إِذْ الشّعْر لَا يكون إلَاّ بَيْتا تَاما مقفًى على أحد أَنْوَاع الْعرُوض الْمَشْهُورَة. وَبِأَن الشّعْر لَا بُد فِيهِ من قصد ذَلِك، فَمَا لم يكن مصدره عَن نِيَّة لَهُ وروية فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ على اتِّفَاق كَلَام يَقع مَوْزُونا بِلَا قصد إِلَيْهِ لَيْسَ مِنْهُ كَقَوْلِه: {وجفان كالجواب وقدور راسيات} (سبإ: ٣١) . وكما يحْكى عَن السُّؤَال: اختموا صَلَاتكُمْ بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَََقَة، وَعَن بعض المرضى وَهُوَ يعالج الكي ويتضور: إذهبوا بِي إِلَى الطَّبِيب، وَقُولُوا: قد اكتوى. وَبِأَن الْبَيْت الْوَاحِد لَا يُسمى شعرًا، وَقَالَ بَعضهم: {وَمَا علمناه الشّعْر} (يس: ٩٦) . هُوَ رد على الْكفَّار الْمُشْركين فِي قَوْلهم: بل هُوَ شَاعِر، وَمَا يَقع على سَبِيل الندرة لَا يلْزمه هَذَا الإسم، إِنَّمَا الشَّاعِر هُوَ الَّذِي ينشد الشّعْر ويشبب، ويمدح ويذم ويتصرف فِي الأفانين وَقد برأَ الله تَعَالَى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، وصان قدره عَنهُ، فَالْحَاصِل أَن الْمَنْفِيّ هُوَ صَنْعَة الشاعرية لَا غير، وَفِي (التَّوْضِيح) : هَل أنتِ إلَاّ اصبع ... إِلَى آخِره، رجز مَوْزُون، وَقد يَقع على لِسَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِقْدَار الْبَيْت من الشّعْر أَو الْبَيْتَيْنِ من الرجز كَقَوْلِه:
(أَنا النَّبِي لَا كذِب ... أَنا ابنُ عبد المُطلب)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute