للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ببلخ، وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة مكي بن إِبْرَاهِيم غَيره، و: مكي، بتَشْديد الْيَاء على وزن النِّسْبَة. وَلَيْسَ بِنِسْبَة، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمه. الثَّانِي: حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان بن عبد الْملك، وَقد مر فِي: بَاب الْحيَاء من الْإِيمَان. الثَّالِث: سَالم بن عبد اللَّه بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله عَنْهُم. الرَّابِع: أَبُو هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن بن صَخْر، رَضِي الله عَنهُ.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة وَالسَّمَاع، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق إِسْحَاق بن سُلَيْمَان الرَّازِيّ عَن حَنْظَلَة قَالَ: سَمِعت سالما، وَزَاد فِيهِ: لَا أَدْرِي كم رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَة وَاقِفًا فِي السُّوق يَقُول: يقبض الْعلم ... فَذكره مَوْقُوفا، لَكِن ظهر فِي آخِره أَنه مَرْفُوع. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بلخي ومكي ومدني. وَمِنْهَا: أَن إِسْنَاده من الرباعيات العوالي.

بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب: قَوْله: (الْهَرج) ، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره جِيم: قَالَ فِي (الْعباب) : الْهَرج الْفِتْنَة والاختلاط، وَقد هرج النَّاس يهرجون، بِالْكَسْرِ، هرجاً. وَمِنْه حَدِيث النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يتقارب الزَّمَان وَينْقص الْعلم ويلقى الشُّح وَتظهر الْفِتَن وَيكثر الْهَرج. قيل: وَمَا الْهَرج يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الْقَتْل الْقَتْل) . ثمَّ قَالَ الصغاني: وأصل الْهَرج الْكَثْرَة فِي الشَّيْء، وَمِنْه قَوْلهم فِي الْجِمَاع: بَات يهرجها ليلته جَمْعَاء. وَيُقَال للْفرس: مر يهرج، وَإنَّهُ لمهرج ومهراج إِذا كَانَ كثير الجري، وهرج الْقَوْم فِي الحَدِيث إِذا أفاضوا فِيهِ فَأَكْثرُوا، والهراجة: الْجَمَاعَة يهرجون فِي الحَدِيث. وَقَالَ فِي آخر الْفَصْل: والتركيب يدل على اخْتِلَاط وتخليط. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الْهَرج الْفِتْنَة فِي آخر الزَّمَان. وَقَالَ القَاضِي: الْفِتَن بعض الْهَرج، وأصل الْهَرج والتهارج الِاخْتِلَاط والقتال، وَمِنْه قَوْله: فَلَنْ يزَال الْهَرج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَمِنْه: يتهارجون تهارج الْحمر، قيل: مَعْنَاهُ: يتخالطون رجَالًا وَنسَاء ويتناكحون مزاناة. وَيُقَال: هرجها يهرجها إِذا نَكَحَهَا، و: يهرجها، بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا وَكسرهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِرَادَة الْقَتْل من لفظ الْهَرج إِنَّمَا هُوَ على طَرِيق التَّجَوُّز، إِذْ هُوَ لَازم معنى الْهَرج، اللَّهُمَّ إلَاّ أَن يثبت وُرُود الْهَرج بِمَعْنى الْقَتْل لُغَة. وَقَالَ بَعضهم: وَهِي غَفلَة عَمَّا فِي البُخَارِيّ فِي كتاب الْفِتَن. والهرج الْقَتْل بِلِسَان الْحَبَشَة. قلت: هَذَا غَفلَة، لِأَن كَون الْهَرج بِمَعْنى الْقَتْل بِلِسَان الْحَبَشَة لَا يسْتَلْزم أَن يكون بِمَعْنى الْقَتْل فِي لُغَة الْعَرَب، غير أَنه لما اسْتعْمل بِمَعْنى الْقَتْل وَافق اللُّغَة الحبشية، وَأما فِي أصل الْوَضع فالعرب مَا استعملته إلَاّ لِمَعْنى الْفِتْنَة والاختلاط، واستعملوه بِمَعْنى الْقَتْل تجوزاً. فَإِن قلت: قَالَ صَاحب (الْمطَالع) : فسر الْهَرج فِي الحَدِيث بِالْقَتْلِ بلغَة الْحَبَشَة، ثمَّ قَالَ: وَقَوله: بلغَة الْحَبَشَة وهم من بعض الروَاة، وَإِلَّا فَهِيَ عَرَبِيَّة صَحِيحَة. قلت: لَا يلْزم من تَفْسِيره فِي الحَدِيث بِالْقَتْلِ أَن يكون مَعْنَاهُ الْقَتْل فِي أصل الْوَضع. قَوْله: (يقبض الْعلم) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقد مر أَن قَبضه بِقَبض الْعلمَاء، كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي الحَدِيث. وَجَاء فِي مُسلم: (وَينْقص الْعلم وَيظْهر الْجَهْل) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَظُهُور الْجَهْل من لَوَازِم قبض الْعلم، وَذكره لزِيَادَة الْإِيضَاح والتأكيد. قَوْله: (الْفِتَن) بِالرَّفْع عطفا على: الْجَهْل، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: (وَتظهر الْفِتَن) . قَوْله: (وَيكثر الْهَرج) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم. قَوْله: (فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ) ، مَعْنَاهُ: أَشَارَ بِيَدِهِ محرفا، وَفِيه إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل، وَهُوَ كثير. وَمِنْه قَول الْعَرَب: قَالُوا بزيد وَقُلْنَا بِهِ، أَي: قَتَلْنَاهُ، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي، وَقَالَ الرجل بالشَّيْء، أَي: غلب. وَقَالَ الصغاني: وَفِي دُعَاء النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: سُبْحَانَ من تعطف بالعز وَقَالَ بِهِ، وَهَذَا من الْمجَاز الْحكمِي كَقَوْلِهِم: نَهَاره صَائِم. وَالْمرَاد وصف الرجل بِالصَّوْمِ، وَوصف الله تَعَالَى بالعز. قَوْله: (وَقَالَ بِهِ) أَي: وَغلب بِهِ كل عَزِيز، وَملك عَلَيْهِ أمره. وَفِي (الْمطَالع) : وَفِي حَدِيث الْخضر: (فَقَالَ بِيَدِهِ فأقامه) . أَي: أَشَارَ أَو تنَاول. وَقَوله: (فِي الْوضُوء فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا) أَي: نفضه. قَوْله: (فَقَالَ باصبعه السبابَة وَالْوُسْطَى) أَي: أَشَارَ. وَفِي حَدِيث دُعَاء الْوَالِد: (وَقَالَ بِيَدِهِ نَحْو السَّمَاء) أَي: رَفعهَا. قَوْله: (فحرفها) من التحريف. تَفْسِير لقَوْله: (فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ) كَأَن الرَّاوِي بَين أَن الْإِيمَاء كَانَ محرفاً، وَمثل هَذِه الْفَاء تسمى الْفَاء التفسيرية. نَحْو: {فتوبوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم} (الْبَقَرَة: ٥٤) إِذْ الْقَتْل هُوَ نفس التَّوْبَة على أحد التفاسير. قَوْله: (كَأَنَّهُ يُرِيد الْقَتْل) الظَّاهِر أَن هَذَا زِيَادَة من الرَّاوِي عَن حَنْظَلَة، فَإِن أَبَا عوَانَة رَوَاهُ عَن عَبَّاس الدوري عَن أبي عَاصِم عَن حَنْظَلَة، وَقَالَ فِي آخِره: وأرانا أَبُو عَاصِم كَأَنَّهُ يضْرب عنق الْإِنْسَان، وَكَأن الرَّاوِي فهم من تَحْرِيك الْيَد وتحريفها أَنه يُرِيد الْقَتْل. قلت: وَقع فِي بعض النّسخ: فحركها بِالْكَاف، مَوضِع: فحرفها. فَالظَّاهِر أَنه غير ثَابت، وَفِيه دَلِيل على أَن الرجل إِذْ أَشَارَ بِيَدِهِ أَو بِرَأْسِهِ أَو بِشَيْء يفهم مِنْهُ ارادته أَنه جَائِز عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي فِي كتاب الطَّلَاق حكم الْإِشَارَة بِالطَّلَاق وَاخْتِلَاف الْفُقَهَاء فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>