بَيَان استنباط الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِيهِ كَون الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتين الْيَوْم، وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة، وَيدل عَلَيْهِ الْآيَات وَالْأَخْبَار المتواترة، مثل قَوْله تَعَالَى: {وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة} (الْأَعْرَاف: ٢٢، طه: ١٢١) وَقَوله: {عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى عِنْدهَا جنَّة المأوى} (النَّجْم: ١٥) : {وجنة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض} (آل عمرَان: ١٣٣) إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات، وتواتر الْأَخْبَار فِي قصَّة آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن الْجنَّة ودخوله إِيَّاهَا وَخُرُوجه مِنْهَا، ووعده الرَّد إِلَيْهَا، كل ذَلِك ثَابت بِالْقطعِ. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: أنكر طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة خلقهما قبل يَوْم الْحساب وَالْعِقَاب، وَقَالُوا: لَا فَائِدَة فِي خلقهما قبل ذَلِك، وحملوا قصَّة آدم على بُسْتَان من بساتين الدُّنْيَا. قَالَ: وَهَذَا بَاطِل وتلاعب بِالدّينِ وانسلال عَن إِجْمَاع الْمُسلمين. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: الْجنَّة مخلوقة مهيأة بِمَا فِيهَا، سقفها عرش الرَّحْمَن وَهِي خَارِجَة من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض، وكل مَخْلُوق يفنى ويجدد أَو لَا يجدد إلَاّ الْجنَّة وَالنَّار، وَلَيْسَ للجنة سَمَاء إلَاّ مَا جَاءَ فِي الصَّحِيح. يَعْنِي قَوْله: (وسقفها عرش الرَّحْمَن) ، وَلها ثَمَانِيَة أَبْوَاب. وَرُوِيَ: أَنَّهَا كلهَا مغلقة إلَاّ بَاب التَّوْبَة مَفْتُوح حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا. وَأما من قَالَ بِأَن قَوْله: {وجنة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض} (آل عمرَان: ١٣٣) يدل على أَنَّهَا مخلوقة فَغير مُسْتَقِيم لما تقدم من أَنَّهَا فِي عَالم آخر، وَالْمعْنَى: عرضهَا كعرض السَّمَوَات وَالْأَرْض، كَمَا جَاءَ فِي مَوضِع آخر فَحذف هَهُنَا. وَسَأَلت الْيَهُود عمر، رَضِي الله عَنهُ، عَن هَذِه الْآيَة، وَقَالُوا: أَيْن تكون النَّار؟ فَقَالَ لَهُم عمر، رَضِي الله عَنهُ: أَرَأَيْتُم إِذا جَاءَ اللَّيْل، فَأَيْنَ يكون النَّهَار؟ وَإِذا جَاءَ النَّهَار فَأَيْنَ يكون اللَّيْل؟ فَقَالُوا لَهُ: لقد نزعت مِمَّا فِي التَّوْرَاة. وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنهُ: تقرن السَّمَوَات السَّبع والأرضون السَّبع كَمَا تقرن الثِّيَاب بَعْضهَا بِبَعْض، فَذَلِك عرض الْجنَّة، وَلَا يصف أحد طولهَا لاتساعه. وَقيل: عرضهَا سعتها، وَلم يرد الْعرض الَّذِي هُوَ ضد الطول، وَالْعرب تَقول: ضربت فِي أَرض عريضة، أَي: وَاسِعَة. الثَّانِي: فِيهِ إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر مَعَ غَيره من الْأَدِلَّة، وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وإحياء الْمَيِّت. قَالَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي: تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بذلك، وباستعاذة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَذَاب الْقَبْر. الثَّالِث: فِيهِ سُؤال مُنكر وَنَكِير، وهما ملكان يرسلهما الله تَعَالَى يسألان الْمَيِّت عَن الله تَعَالَى وَعَن رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. الرَّابِع: فِيهِ خُرُوج الدَّجَّال. الْخَامِس: فِيهِ أَن الرُّؤْيَة لَيست مَشْرُوطَة بِشَيْء عقلا من المواجهة وَنَحْوهَا، وَوُقُوع رُؤْيَة الله تَعَالَى لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن من ارتاب فِي صدق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصِحَّة رسَالَته فَهُوَ كَافِر. السَّادِس: فِيهِ جَوَاز التَّخْصِيص بالمخصصات الْعَقْلِيَّة والعرفية. السَّابِع: فِيهِ جَوَاز وُقُوع الْفِعْل مُسْتَثْنى صُورَة. الثَّامِن: فِيهِ تعدد المضافين لفظا إِلَى مُضَاف وَاحِد. التَّاسِع: فِيهِ جَوَاز إِظْهَار حرف الْجَرّ بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ. الْعَاشِر: فِيهِ سنية صَلَاة الْكُسُوف وَتَطْوِيل الْقيام فِيهَا. الْحَادِي عشر: فِيهِ مَشْرُوعِيَّة هَذِه الصَّلَاة للنِّسَاء أَيْضا. الثَّانِي عشر: فِيهِ جَوَاز حضورهن وَرَاء الرِّجَال فِي الْجَمَاعَات. الثَّالِث عشر: فِيهِ جَوَاز السُّؤَال من الْمُصَلِّي. الرَّابِع عشر: فِيهِ امْتنَاع الْكَلَام فِي الصَّلَاة. الْخَامِس عشر: فِيهِ جَوَاز الْإِشَارَة، وَلَا كَرَاهَة فِيهَا إِذا كَانَ لحَاجَة. السَّادِس عشر: فِيهِ جَوَاز الْعَمَل الْيَسِير فِي الصَّلَاة، وَإنَّهُ لَا يُبْطِلهَا. السَّابِع عشر: فِيهِ جَوَاز التَّسْبِيح للنِّسَاء فِي الصَّلَاة. فَإِن قلت: لَهُنَّ التصفيح لَا التَّسْبِيح إِذا نابهن شَيْء. قلت: الْمَقْصُود من تَخْصِيص التصفيح بِهن أَن لَا يسمع الرِّجَال صوتهن، وَفِيمَا نَحن فِيهِ الْقِصَّة جرت بَين الْأُخْتَيْنِ، أَو التصفيح هُوَ الأولى لَا الْوَاجِب. الثَّامِن عشر: فِيهِ اسْتِحْبَاب الْخطْبَة بعد صَلَاة الْكُسُوف. التَّاسِع عشر: فِيهِ أَن الْخطْبَة يكون أَولهَا التَّحْمِيد وَالثنَاء على الله، عز وَجل. الْعشْرُونَ: قَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ أَن الغشي لَا ينْقض الْوضُوء مَا دَامَ الْعقل بَاقِيا.
الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا ماقيل: إِن لَفْظَة الشَّيْء فِي قَوْله: (مَا من شَيْء) أَعم الْعَام، وَقد وَقع نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي أَيْضا، وَلَكِن بعض الْأَشْيَاء مِمَّا لَا يَصح رُؤْيَته. أُجِيب: بِأَن الْأُصُولِيِّينَ قَالُوا: مَا من عَام إلَاّ وَقد خص، إلَاّ: {وَالله بِكُل شَيْء عليم} (الْبَقَرَة: ٢٣١ و ٢٨٢، النِّسَاء: ١٧٦، الْمَائِدَة: ٩٧، الْأَنْفَال: ٧٥، التَّوْبَة: ١١٥، النُّور: ٣٥ و ٦٤، الحجرات: ١٦، المجادلة: ٧، التغابن: ١١) والمخصص قد يكون عقلياً أَو عرفياً، فخصصه الْعقل بِمَا صَحَّ رُؤْيَته، وَالْعرْف بِمَا يَلِيق أَيْضا بِأَنَّهُ مِمَّا يتَعَلَّق بِأَمْر الدّين وَالْجَزَاء وَنَحْوهمَا. وَمِنْهَا مَا قيل: هَل فِيهِ دلَالَة على أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رأى فِي هَذَا الْمقَام ذَات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ أُجِيب: نعم، إِذْ: الشَّيْء يتَنَاوَلهُ وَالْعقل لَا يمنعهُ وَالْعرْف لَا يَقْتَضِي إِخْرَاجه. وَمِنْهَا مَا قيل: من أَيْن علم الغشي وصب المَاء كَانَا فِي الصَّلَاة. أُجِيب: بِأَنَّهُ من حَيْثُ جعل ذَلِك مقدما على الْخطْبَة، وَالْخطْبَة متعقبة للصَّلَاة لَا وَاسِطَة بَينهمَا بِدَلِيل الْفَاء فِي: فَحَمدَ الله تَعَالَى. وَمِنْهَا مَا قيل: هَذَانِ فعلان يفسدان الصَّلَاة. أُجِيب: بِأَنَّهُ مَحْمُول على أَنه لم تكن أفعالها مُتَوَالِيَة، وإلَاّ بطلت الصَّلَاة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute