للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النصب على الظَّرْفِيَّة، وَيكون: يَوْم الرضع، مُبْتَدأ وَخَبره الظّرْف فِيمَا يتَعَلَّق قبله، تَقْدِيره: وَفِي هَذَا الْيَوْم يَوْم الرضع، يَعْنِي: يَوْم هَلَاك اللئام. قَوْله: (فاستنقذتها) أَي: استخلصتها مِنْهُم. قَوْله: (قبل أَن يشْربُوا) أَي: المَاء، بِدَلِيل قَوْله: إِن الْقَوْم عطاش. قَوْله: (فَأَقْبَلت بهَا) أَي: باللقاح. قَوْله: (أسوقها) أَي: حَال كوني أسوق اللقَاح الَّتِي أَخذهَا غطفان وفزارة. قَوْله: (فلقيني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَكَانَ ذَلِك عشَاء. وَمَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاس، وتوضيح ذَلِك: أَن عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ لما أغار على لقاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خيل من غطفان أَرْبَعِينَ فَارِسًا، وَكَانَ ذَلِك لَيْلَة أربعاء، جَاءَ الصَّرِيخ فَنُوديَ: يَا خيل الله ارْكَبِي، وَكَانَ أول مَا نُودي بهَا، فَركب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخرج غَدَاة الْأَرْبَعَاء فِي الْحَدِيد مقنعا، فَوقف فَكَانَ أول من أقبل إِلَيْهِ الْمِقْدَاد بن عَمْرو، وَعَلِيهِ الدرْع والمغفر شاهراً سَيْفه، فعقد لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِوَاء فِي رمحه، وَقَالَ: إمضِ حَتَّى تلحقك الْخُيُول وَأَنا على إثرك، واستخلف على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم، وَخلف سعد بن عبَادَة فِي ثَلَاثمِائَة من قومه يَحْرُسُونَ الْمَدِينَة، قَالَ الْمِقْدَاد: فأدركت أخريات الْعَدو وَقد قتل أَبُو قَتَادَة مسْعدَة، وَقتل عكاشة أبان بن عَمْرو، وَقتل الْمِقْدَاد حبيب بن عُيَيْنَة وفرقد بن مَالك بن حُذَيْفَة ابْن بدر، وَأدْركَ سَلمَة بن الْأَكْوَع الْقَوْم وَهُوَ على رجلَيْهِ، فَجعل يراميهم بِالنَّبلِ، وَيَقُول: خُذْهَا وَأَنا بن أكوع الْيَوْم يَوْم الرضع، حَتَّى انْتهى بهم إِلَى ذِي قرد، قَالَ سَلمَة: فلحقنا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالنَّاس عشَاء وَهَذَا معنى قَوْله: (فلقيني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: يَا رَسُول الله إِن الْقَوْم عطاش) وَهُوَ جمع عطشان. قَوْله: (وَإِنِّي أعجلتهم قبل أَن يشْربُوا سقيهم) ، بِكَسْر السِّين وَسُكُون الْقَاف، وَهُوَ: الْحَظ من الشّرْب، و: أَن يشْربُوا، مفعول لَهُ أَي: كَرَاهَة شربهم. قَوْله: (فَابْعَثْ فِي إثرهم) أَي: قَالَ سَلمَة: يَا رَسُول الله {إبعث فِي إثرهم، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد قَالَ سَلمَة: فَلَو بعثتني فِي مائَة رجل استنقذت مَا بِأَيْدِيهِم من السَّرْح وَأخذت بأعناق الْقَوْم. فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا ابْن الْأَكْوَع ملكت) من المملكة وَهِي أَن يغلب عَلَيْهِم ويستعبدهم، وهم فِي الأَصْل أَحْرَار. قَوْله: (فاسجح) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْجِيم وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: من الإسجاح، وَهُوَ حسن الْعَفو، أَي: إرفق وَلَا تَأْخُذ بالشدة، وَهَذَا مثل من أَمْثَال الْعَرَب. قَوْله: (إِن الْقَوْم يقرونَ) أَي: يضافون، يَعْنِي: أَنهم وصلوا إِلَى غطفان وهم يضيفونهم ويساعدونهم فَلَا فَائِدَة فِي الْحَال فِي الْبَعْث لأَنهم لَحِقُوا بأصحابهم، ويقرون هُنَا من القري وَهُوَ الضِّيَافَة، فراعى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك لَهُم رَجَاء تَوْبَتهمْ وإنابتهم. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: يقرونَ، بِضَم الْيَاء وَالرَّاء، وَفَسرهُ بِأَنَّهُم: يجمعُونَ بَين المَاء وَاللَّبن، وَقيل: يغزون، بغين مُعْجمَة وزاي، وَهُوَ تَصْحِيف وَفِي كتاب (الدَّلَائِل) للبيهقي: إِنَّهُم ليغبقون الْآن فِي غطفان، فجَاء رجل من غطفان فَقَالَ: مرُّوا على فلَان الْغَطَفَانِي فَنحر لَهُم جزوراً، فَلَمَّا أخذُوا يكشطون جلدهَا رَأَوْا غيرَة فتركوها وَخَرجُوا هراباً. انْتهى.

وَتَمام الْقِصَّة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما لَقِي سَلمَة لم تزل الْخَيل تَأتي وَالرِّجَال على أَقْدَامهم حَتَّى انْتَهوا إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي قرد، فاستنقذوا عشر لقائح، وأفلت الْقَوْم بِمَا بَقِي وَهِي عشر، وَصلى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي قرد صَلَاة الْخَوْف، وَأقَام بهَا يَوْمًا وَلَيْلَة. وَفِي (الإكليل) للْحَاكِم: بَاب غَزْوَة ذِي قرد، قَالَ أَبُو عبد الله: هَذِه الْغَزْوَة هِيَ الثَّالِثَة لذِي قرد، فَإِن الأولى: سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة فِي جمادي الْآخِرَة على رَأس ثَمَانِيَة وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة. وَالثَّانيَِة: خرج فِيهَا سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفسِهِ إِلَى فَزَارَة، وَهِي على رَأس تِسْعَة وَأَرْبَعين شهرا من الْهِجْرَة. وَهَذِه الثَّالِثَة: الَّتِي أغار فِيهَا عبد الرَّحْمَن بن عُيَيْنَة على إبل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج أَبُو قَتَادَة وَابْن الْأَكْوَع فِي طلبَهَا، وَذَلِكَ فِي سنة سِتّ من الْهِجْرَة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِي غَزْوَة ذِي قرد: إِنَّه كَانَ أول مَا بدر بهم سَلمَة بن عَمْرو بن الْأَكْوَع الْأَسْلَمِيّ غَدا يُرِيد الغابة متوشحاً قوسه ونبله وَمَعَهُ غُلَام لطلْحَة بن عبيد الله مَعَه فرس لَهُ، وَكَانَ يَقُودهُ، حَتَّى إِذا علا ثنية الْوَدَاع نظر إِلَى بعض خيولهم فَأَشْرَف فِي نَاحيَة سلع ثمَّ صرخَ: واصباحاه، ثمَّ خرج يشد فِي آثَار الْقَوْم، وَكَانَ مثل السَّبع حَتَّى لحق بالقوم، فَجعل يرميهم بِالنَّبلِ، وَيَقُول إِذا رَمَاهَا: خُذْهَا وَأَنا ابْن الْأَكْوَع الْيَوْم يَوْم الرضع. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَبلغ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صياح ابْن الْأَكْوَع، فَصَرَخَ بِالْمَدِينَةِ: الْفَزع الْفَزع، فترامت الْخُيُول إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ أول من انْتهى إِلَيْهِ من الفرسان الْمِقْدَاد بن الْأسود وَجَمَاعَة آخَرُونَ، ذكرهم ابْن إِسْحَاق قَالَ: وَسَار رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل بِالْجَبَلِ من ذِي قرد، وتلاحق بِهِ النَّاس فَأَقَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَة. وَقَالَ لَهُ سَلمَة بن الْأَكْوَع: يَا رَسُول الله} لَو سرحتني فِي مائَة رجل

<<  <  ج: ص:  >  >>