للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَتَّى للغاية. قَوْله: (فضَالة الْغنم) كَلَام إضافي مُبْتَدأ خَبره: أَي: مَا حكمهَا؟ أَهِي مثل ضَالَّة الْإِبِل أم لَا؟ قَوْله: (لَك أَو لأخيك أَو للذئب) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: لَيست ضَالَّة الْغنم مثل ضَالَّة الْإِبِل هِيَ لَك إِن أَخَذتهَا، أَو هِيَ لأخيك إِن لم تأخذها، يَعْنِي يَأْخُذهَا غَيْرك من اللاقطين، أَو يكون الْمَار من الْأَخ صَاحبهَا. وَالْمعْنَى: أَو هِيَ لأخيك الَّذِي هُوَ صَاحبهَا إِن ظهر؟ أَو هِيَ للذئب إِن لم تأخذها وَلم يتَّفق أَن يَأْخُذهَا غَيْرك أَيْضا؟ لِأَنَّهُ يخَاف عَلَيْهَا من الذِّئْب وَنَحْوه فيأكلها غَالِبا، فَإِذا كَانَ الْمَعْنى على هَذَا يكون مَحل: لَك، من الْإِعْرَاب الرّفْع لِأَنَّهُ: خبر مُبْتَدأ، وَكَذَلِكَ: لأخيك وللذئب.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: (سَأَلَهُ رجل) هُوَ عُمَيْر وَالِد مَالك. قَوْله: (أَو قَالَ) شكّ من الرَّاوِي. قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ زيد بن خَالِد. قلت: وَيجوز أَن يكون مِمَّن دونه من الروَاة، وَفِي بعض طرقه عِنْد البُخَارِيّ: (أعرف عفاصها ووكائها) ، من غير شكّ. (ثمَّ عرفهَا سنة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وإلَاّ فشأنك بهَا) إِنَّمَا أَمر بِمَعْرِِفَة العفاص والوكاء ليعرف صدق واصفها من كذبه، وَلِئَلَّا يخْتَلط بِمَالِه، وَيسْتَحب التَّقْيِيد بِالْكِتَابَةِ خوف النسْيَان. وَعَن ابْن دَاوُد، من الشَّافِعِيَّة، أَن مَعْرفَتهَا قبل حُضُور الْمَالِك مُسْتَحبّ. وَقَالَ الْمُتَوَلِي: يجب مَعْرفَتهَا عِنْد الِالْتِقَاط، وَيعرف أَيْضا الْجِنْس وَالْقدر وَطول الثَّوْب وَغير ذَلِك ودقته وصفاقته. قَوْله: (ثمَّ عرفهَا) أَي للنَّاس، بِذكر بعض صفاتها فِي المحافل: (سنة) ، أَي: مُتَّصِلَة، كل يَوْم مرَّتَيْنِ ثمَّ مرّة ثمَّ فِي كل أُسْبُوع ثمَّ فِي كل شهر فِي بلد اللقط. فَإِن قلت: جَاءَ فِي حَدِيث أبي: ثَلَاث سِنِين، وَفِي بعض طرقه الشَّك فِي سنة أَو ثَلَاث؟ قلت: جمع بَينهَا بطرح الشَّك وَالزِّيَادَة، وَترد الزِّيَادَة لمخالفتها بَاقِي الْأَحَادِيث. وَقيل: هِيَ قصتان: الأولى للأعرابي، وَالثَّانيَِة لأبي، أفتاه بالورع بالتربص ثَلَاثَة أَعْوَام إِذْ هُوَ من فضلاء الصَّحَابَة. قَوْله: (ثمَّ استمتع بهَا) قَالُوا: الْإِتْيَان هُنَا: بثم، دَال على الْمُبَالغَة فِي التثبت على العفاص والوكاء. إِذْ كَانَ وَضعهَا للتراخي والمهلة، فَكَأَنَّهُ عبارَة عَن قَوْله: لَا تعجل وَتثبت فِي عرفان ذَلِك. قَوْله: (فَغَضب) أَي: رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا كَانَ غَضَبه استقصاراً لعلم السَّائِل وَسُوء فهمه، إِذْ لم يراع الْمَعْنى الْمشَار إِلَيْهِ وَلم يتَنَبَّه لَهُ، فقاس الشَّيْء على غير نَظِيره، فَإِن اللّقطَة إِنَّمَا هِيَ اسْم للشَّيْء الَّذِي يسْقط من صَاحبه وَلَا يدْرِي أَيْن مَوْضِعه، وَلَيْسَ كَذَلِك الْإِبِل، فَإِنَّهَا مُخَالفَة للقطة إسما وَصفَة، فَإِنَّهَا غير عادمة أَسبَاب الْقُدْرَة على الْعود إِلَى رَبهَا لقُوَّة سَيرهَا، وَكَون الْحذاء والسقاء مَعهَا، لِأَنَّهَا ترد المَاء ربعا وخمساً، وتمتنع من الذئاب وَغَيرهَا من صغَار السبَاع، وَمن التردي وَغير ذَلِك، بِخِلَاف الْغنم فَإِنَّهَا بِالْعَكْسِ، فَجعل سَبِيل الْغنم سَبِيل اللّقطَة. قلت: فِي بعض من ذكره نظر، وَهُوَ قَوْله: اللّقطَة اسْم للشَّيْء الَّذِي يسْقط من صَاحبه إِلَى قَوْله: وَصفَة. فَإِن الْغنم أَيْضا لَيْسَ كَذَلِك، فَيَنْبَغِي أَن يكون مثل الْإِبِل على هَذَا الْكَلَام، مَعَ أَنه لَيْسَ مثل الْإِبِل. وَقَوله أَيْضا: وتمتنع من الذئاب، فَإِن الجواميس تمْتَنع من كبار السبَاع فضلا عَن صغارها، وتغيب عَن صَاحبهَا أَيَّامًا عديدة ترعى وتشرب ثمَّ تعود، فَيَنْبَغِي أَن تكون مثل الْإِبِل مَعَ أَنه لَيْسَ كَذَلِك. قَوْله: (مَا لَك وَلها) فِيهِ نهي عَن أَخذهَا. وَقَوله: (لَك أَو لأخيك) فِيهِ إِذن لأخذها.

وَمن الْبَيَان فِيهِ: التَّشْبِيه، وَهُوَ فِي قَوْله: (مَعهَا سقاؤها وحذاؤها) ، فَإِنَّهُ شبه الْإِبِل بِمن كَانَ مَعَه حذاء وسقاء فِي السّفر.

وَمن البديع: فِيهِ الجناس النَّاقِص: وَهُوَ فِي قَوْله: إعرف وَعرف، والحرف المشدد فِي حكم المخفف فِي هَذَا الْبَاب. فَافْهَم.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: حكى القَاضِي عَن بَعضهم الْإِجْمَاع على أَن معرفَة العفاص والوكاء من إِحْدَى عَلَامَات اللّقطَة. قلت: فَإِن وصفهَا وبيّنها، قَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: حل للملتقط أَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ من غير أَن يجْبر عَلَيْهِ فِي الْقَضَاء. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: يجْبر على دَفعهَا لما جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم: (فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إِيَّاه، وإلَاّ فَهِيَ لَك) . وَهَذَا أَمر، وَهُوَ للْوُجُوب. قَالَت الْحَنَفِيَّة: هَذَا مُدع وَعَلِيهِ الْبَيِّنَة، لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (الْبَيِّنَة على من ادّعى) . والعلامة لَا تدل على الْملك وَلَا على الْيَد، لِأَن الْإِنْسَان قد يقف على مَال غَيره وَيخْفى عَلَيْهِ مَال نَفسه، فَلَا عِبْرَة بهَا. والْحَدِيث مَحْمُول على الْجَوَاز تَوْفِيقًا بَين الْأَخْبَار، لِأَن الْأَمر قد يُرَاد بِهِ الْإِبَاحَة، وَبِه نقُول، وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: إِذا وصفهَا، فَهَل يجب إعطاؤها بِالْوَصْفِ أم لَا؟ ذهب مَالك إِلَى وُجُوبه، وَاخْتلف أَصْحَابه: هَل يحلف؟ قَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا يحلف. وَقَالَ أَشهب وَسَحْنُون: يحلف، وألحقوا بِهِ السَّارِق إِذا سرق مَالا وَنسي الْمَسْرُوق مِنْهُ، ثمَّ أَتَى من وَصفه فَإِنَّهُ يعْطى. وَأما الْوَدِيعَة إِذا نسي من أودعها إِيَّاه فَمن أَصْحَابه من أجراها مجْرى اللّقطَة وَالسَّرِقَة، وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا، بِأَن كل مَوضِع يتَعَذَّر فِيهِ على الْمَالِك إِقَامَة الْبَيِّنَة اكْتفى فِيهِ بِالصّفةِ. وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>