للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المثالين الْأَوَّلين يتَعَذَّر إِقَامَة الْبَيِّنَة بِخِلَاف الْوَدِيعَة، ثمَّ فِي الْإِعْطَاء بِالْوَصْفِ مِنْهُم من شَرط الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة، وَمِنْهُم من اقْتصر على الْبَعْض. وَعند مَالك خلاف. قيل عِنْده: لَا بُد من معرفَة الْجَمِيع. وَقيل: يَكْفِي وصفان. وَقيل: لَا بُد من العفاص والوكاء. وَفِي (شرح السّنة) : اخْتلفُوا فِي أَنه لَو ادّعى رجل اللّقطَة وَعرف عفاصها ووكاءها فَذهب مَالك وَأحمد إِلَى أَنه: يدْفع إِلَيْهِ من غير بَيِّنَة أَقَامَهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَقْصُود من معرفَة العفاص والوكاء. وَقَالَ الشَّافِعِي وَالْحَنَفِيَّة: إِذا وَقع فِي النَّفس صدق الْمُدَّعِي فَلهُ أَن يُعْطِيهِ وإلَاّ فبينه.

الثَّانِي: هَل يجب على اللاقط الْتِقَاط اللّقطَة؟ فَروِيَ عَن مَالك الْكَرَاهَة، وَرُوِيَ عَنهُ أَن أَخذهَا أفضل فِيمَا لَهُ بَال، وَللشَّافِعِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَصَحهَا: يسْتَحبّ الْأَخْذ وَلَا يجب. وَالثَّانِي: يجب. وَالثَّالِث: إِن خَافَ عَلَيْهَا وَجب، وَإِن أَمن عَلَيْهَا اسْتحبَّ. وَعَن أَحْمد: ينْدب تَركهَا. وَفِي (شرح الطَّحَاوِيّ) : إِذا وجد لقطَة، فَالْأَفْضَل لَهُ أَن يرفعها إِذا كَانَ يَأْمَن على نَفسه، وَإِذا كَانَ لم يَأْمَن لَا يرفعها، وَفِي (شرح الأقطع) : يسْتَحبّ أَخذ اللّقطَة وَلَا يجب، وَفِي (النَّوَازِل) قَالَ أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَلام: ترك اللّقطَة أفضل فِي قَول أَصْحَابنَا من رَفعه وَرفع اللَّقِيط أفضل من تَركه، وَفِي (خُلَاصَة الْفَتَاوَى) : إِن خَافَ ضياعها يفترض الرّفْع، وَإِن لم يخف يُبَاح رَفعهَا، أجمع الْعلمَاء عَلَيْهِ، وَالْأَفْضَل الرّفْع فِي ظَاهر الْمَذْهَب، وَفِي (فتاوي الولواجي) : اخْتلف الْعلمَاء فِي رَفعهَا، قَالَ بَعضهم رَفعهَا أفضل من تَركهَا، وَقَالَ بَعضهم: يحل رَفعهَا، وَتركهَا أفضل. وَفِي (شرح الطَّحَاوِيّ) : وَلَو رَفعهَا ووضعها فِي مَكَانَهُ ذَلِك فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي ظَاهر الرِّوَايَة. وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: هَذَا إِذا لم يبرح من ذَلِك الْمَكَان حَتَّى وضع هُنَاكَ، فَأَما إِذا ذهب عَن مَكَانَهُ ذَلِك ثمَّ أَعَادَهَا ووضعها فِيهِ فَإِنَّهُ يضمن. وَقَالَ بَعضهم: يضمن مُطلقًا، وَهَذَا خلاف ظَاهر الرِّوَايَة.

الثَّالِث: احْتج بِهِ من يمْنَع الْتِقَاط الْإِبِل إِذا استغنت بقوتها عَن حفظهَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد، وَيُقَال عِنْد الشَّافِعِي: لَا يَصح فِي الْكِبَار وَيصِح فِي الصغار، وَعند مَالك: لَا يَصح فِي الْإِبِل وَالْخَيْل والبغل وَالْحمار فَقَط، وَعند أَحْمد: لَا يَصح فِي الْكل حَتَّى الْغنم، وَعنهُ: يَصح فِي الْغنم. وَفِي بعض شُرُوح البُخَارِيّ: وَعند الشَّافِعِيَّة يجوز للْحِفْظ فَقَط، إلَاّ أَن يُوجد بقرية أَو بلد فَيجوز على الْأَصَح. وَعند الْمَالِكِيَّة ثَلَاثَة أَقْوَال فِي الْتِقَاط الْإِبِل. ثَالِثهَا: يجوز فِي الْقرى دون الصَّحرَاء. وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: فِي معنى الْإِبِل كل مَا امْتنع بقوته عَن صغَار السبَاع كالفرس والأرنب والظبي. وَعند الْمَالِكِيَّة خلاف فِي ذَلِك. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يلْحق الْبَقر بِالْإِبِلِ دون غَيرهَا إِذا كَانَت بمَكَان لَا يخَاف عَلَيْهَا فِيهِ من السبَاع. وَقَالَ القَاضِي: اخْتلف عِنْد مَالك فِي الدَّوَابّ وَالْبَقر وَالْبِغَال وَالْحمير، هَل حكمهَا حكم الْإِبِل أَو سَائِر اللقطات؟ وَقَالَت الْحَنَفِيَّة: يَصح الْتِقَاط الْبَهِيمَة مُطلقًا من أَي جنس كَانَ، لِأَنَّهَا مَال يتَوَهَّم ضيَاعه، والْحَدِيث مَحْمُول على مَا كَانَ فِي دِيَارهمْ، إِذْ كَانَ لَا يخَاف عَلَيْهَا من شَيْء، وَنحن نقُول فِي مثله بِتَرْكِهَا، وَهَذَا لِأَن فِي بعض الْبِلَاد الدَّوَابّ يسيبها أَهلهَا فِي البراري حَتَّى يحتاجوا إِلَيْهَا فيمسكوها وَقت حَاجتهم، وَلَا حَاجَة فِي التقاطها فِي مثل هَذِه الْحَالة، وَالَّذِي يدل على هَذَا مَا رَوَاهُ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن ابْن شهَاب قَالَ: كَانَ ضوال الْإِبِل فِي زمن عمر، رَضِي الله عَنهُ، إبِلا مؤبلة، تتناتج لَا يمْسِكهَا أحد، حَتَّى إِذا كَانَ زمن عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ، أَمر بمعرفتها ثمَّ تبَاع، فَإِذا جَاءَ صَاحبهَا أعطي ثمنهَا. قلت: قَالَ الْجَوْهَرِي: إِذا كَانَت الْإِبِل للْقنية فَهِيَ إبل مؤبلة.

الرَّابِع: التَّعْرِيف باللقطة. قَالَ أَصْحَابنَا: يعرفهَا إِلَى أَن يغلب على ظَنّه أَن رَبهَا لَا يطْلبهَا، وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَن ذَلِك يخْتَلف بقلة المَال وكثرته، وروى مُحَمَّد بن أبي حنيفَة: إِن كَانَت أقل عَن عشرَة دَرَاهِم عرفهَا أَيَّامًا، وَإِن كَانَت عشرَة فَصَاعِدا عرفهَا حولا، وَقدره مُحَمَّد فِي الأَصْل بالحول من غير تَفْصِيل بَين الْقَلِيل وَالْكثير، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالك. وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنَّهَا إِن كَانَت مِائَتي دِرْهَم فَصَاعِدا يعرفهَا حولا، وَفِيمَا فَوق الْعشْرَة إِلَى مِائَتَيْنِ شهرا، وَفِي الْعشْرَة جُمُعَة، وَفِي ثَلَاثَة دَرَاهِم ثَلَاثَة أَيَّام، وَفِي دِرْهَم يَوْمًا، وَإِن كَانَت تَمْرَة وَنَحْوهَا تصدق بهَا مَكَانهَا، وَإِن كَانَ مُحْتَاجا أكلهَا مَكَانهَا. وَفِي (الْهِدَايَة) : إِذا كَانَت اللّقطَة شَيْئا يعلم أَن صَاحبهَا لَا يطْلبهَا كالنواة وقشر الرُّمَّان يكون القاؤه مُبَاحا، وَيجوز الِانْتِفَاع بِهِ من غير تَعْرِيف، لكنه مبقي على ملك مَالِكه لِأَن التَّمْلِيك من الْمَجْهُول لَا يَصح. وَفِي (الْوَاقِعَات) : الْمُخْتَار فِي القشور والنواة تَملكهَا، وَفِي الصَّيْد لَا يملكهُ، وَإِن جمع سنبلاً بعد الْحَصاد فَهُوَ لَهُ لإِجْمَاع النَّاس على ذَلِك، وَإِن سلخ شَاة ميتَة فَهُوَ لَهُ، ولصاحبها أَن يَأْخُذهَا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الحكم فِي صوفها. وَقَالَ القَاضِي: وجوب التَّعْرِيف سنة إِجْمَاع، وَلم يشْتَرط أحد تَعْرِيف ثَلَاث سِنِين إلَاّ مَا رُوِيَ عَن عمر، رَضِي الله عَنهُ، وَلَعَلَّه لم يثبت عَنهُ. قلت: وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه يعرفهَا ثَلَاثَة أشهر. وَعَن أَحْمد: يعرفهَا شهرا، حَكَاهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه

<<  <  ج: ص:  >  >>