للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أيْنَ تَذْهَبُ قُلْتُ الله ورسُولُهُ أعْلَمُ قَالَ فإنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ فَتَسْتَأذِنَ فَيُؤذَنُ لَهَا ويُوشِكُ أنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا وتَسْتَأذِنَ فَلَا يُؤذَنُ لَهَا يُقالُ لَها ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: {والشَّمُسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ} (ي س: ٨٣) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِيهِ من جملَة صِفَات الشَّمْس الَّتِي تعرض عَلَيْهَا، وَزعم بَعضهم أَن وَجه الْمُطَابقَة هُوَ سير الشَّمْس فِي كل يَوْم وَلَيْلَة، وَلَيْسَ ذَلِك بِوَجْه، وَالدَّلِيل على وَجه مَا قُلْنَا أَن فِي بعض النّسخ ذكر هَذَا: بَاب صفة الشَّمْس، ثمَّ ذكر الحَدِيث الْمَذْكُور، والألفاظ الَّتِي ذكرهَا من قَوْله: قَالَ مُجَاهِد: كحسبان الرَّحَى، إِلَى هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بموجودة فِي بعض النّسخ.

وَرِجَال هَذَا الحَدِيث كلهم مضوا عَن قريب، وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ يروي عَن أَبِيه يزِيد من الزِّيَادَة ابْن شريك ابْن طَارق التَّيْمِيّ الْكُوفِي، وَهُوَ يروي عَن أبي ذَر واسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة، وَقد اخْتلف فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا كثيرا أشهرها مَا ذَكرْنَاهُ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن الْحميدِي وَعَن أبي نعيم وَفِي التَّوْحِيد عَن عَيَّاش عَن يحيى بن جَعْفَر. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن أبي كريب وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأبي سعيد الْأَشَج عَن إِسْحَاق وَيحيى بن أَيُّوب وَعَن عبد الحميد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُرُوف عَن عُثْمَان والقواريري. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن وَفِي التَّفْسِير عَن هناد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَتَدْرِي؟) الْغَرَض من هَذَا الِاسْتِفْهَام إِعْلَامه بذلك. قَوْله: (حَتَّى تسْجد تَحت الْعَرْش) ، فَإِن قلت: مَا المُرَاد بِالسُّجُود إِذْ لَا جبهة لَهَا، والانقياد حَاصِل دَائِما؟ قلت: الْغَرَض تشبيهها بالساجد عِنْد الْغُرُوب. فَإِن قلت: يرى أَنَّهَا تغيب فِي الأَرْض، وَقد أخبر الله تَعَالَى أَنَّهَا تغرب فِي عين حمئة، فَأَيْنَ هِيَ من الْعَرْش؟ قلت: الأرضون السَّبع فِي ضرب الْمِثَال كقطب الرَّحَى، وَالْعرش لعظم ذَاته كالرحى، فأينما سجدت الشَّمْس سجدت تَحت الْعَرْش، وَذَلِكَ مستقرها. فَإِن قلت: أَصْحَاب الْهَيْئَة قَالُوا: الشَّمْس مرصعة فِي الْفلك فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَن الَّذِي يسير هُوَ الْفلك، وَظَاهر الحَدِيث أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تسير وتجري؟ قلت: أما أَولا فَلَا اعْتِبَار لقَوْل أهل الْهَيْئَة عِنْد مصادمة كَلَام الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَلَام الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هُوَ الْحق لَا مرية فِيهِ، وَكَلَامهم حدس وتخمين، وَلَا مَانع فِي قدرَة الله تَعَالَى أَن تخرج الشَّمْس من مجْراهَا وَتذهب إِلَى تَحت الْعَرْش فتسجد ثمَّ ترجع. فَإِن قلت: قَالَ الله تَعَالَى: {وكل فِي فلك يسبحون} (الْأَنْبِيَاء: ٣٣، ي س: ٠٤) . أَي: يدورون. قلت: دوران الشَّمْس فِي فلكها لَا يسْتَلْزم منع سجودها فِي أَي مَوضِع أَرَادَهُ الله تَعَالَى، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالسُّجُود من هُوَ مُوكل بهَا من الْمَلَائِكَة. قلت: هَذَا الِاحْتِمَال غير ناشىء عَن دَلِيل فَلَا يعْتَبر بِهِ، وَهُوَ أَيْضا مُخَالف لظَاهِر الحَدِيث، وعدول عَن حَقِيقَته، وَقيل: المُرَاد من قَوْله: تَحت الْعَرْش، أَي: تَحت الْقَهْر وَالسُّلْطَان. قلت: لماذا الهروب من ظَاهر الْكَلَام وَحَقِيقَته؟ على أَنا نقُول: السَّمَوَات والأرضون وَغَيرهمَا من جَمِيع الْعَالم تَحت الْعَرْش، فَإِذا سجدت الشَّمْس فِي أَي مَوضِع قدره الله تَعَالَى يَصح أَن يُقَال: سجدت تَحت الْعَرْش، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَقد أنكر قوم سُجُود الشَّمْس وَهُوَ صَحِيح مُمكن. قلت: هَؤُلَاءِ قوم من الْمَلَاحِدَة لأَنهم أَنْكَرُوا مَا أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَبت عَنهُ بِوَجْه صَحِيح: وَلَا مَانع من قدرَة الله تَعَالَى أَن يمكَّن كل شَيْء من الْحَيَوَان والجمادات أَن يسْجد لَهُ. قَوْله: (فَتَسْتَأْذِن) ، يدل على أَنَّهَا تعقل، وَكَذَلِكَ قَوْله: (تسْجد) ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فيمَ تستأذن؟ قلت: الظَّاهِر أَنه فِي الطُّلُوع من الْمشرق، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. انْتهى. قلت: لَا حَاجَة إِلَى الْقَيْد بقوله: الظَّاهِر، لِأَنَّهُ لَا شكّ أَن استئذانها هَذَا لأجل الطُّلُوع من الْمشرق على عَادَتهَا، فَيُؤذن لَهَا، ثمَّ إِذا قرب يَوْم الْقِيَامَة تستأذن فِي ذَلِك فَلَا يُؤذن لَهَا كَمَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. قَوْله: (ويوشك أَن تسْجد) لفظ: يُوشك، من أَفعَال المقاربة، وَهِي على أَنْوَاع: مِنْهَا مَا وضع للدلالة على قرب الْخَبَر، وَهُوَ ثَلَاثَة: كَاد وكرب وأوشك، كَمَا عرف

<<  <  ج: ص:  >  >>