فِي مَوْضِعه، فعلى هَذَا معنى: ويوشك أَن تسْجد، وَيقرب أَن تسْجد، وَقد علم أَن أَفعَال المقاربة مُلَازمَة لصيغة الْمَاضِي إلَاّ أَرْبَعَة أَلْفَاظ، فَاسْتعْمل لَهَا مضارع مِنْهَا: أوشك. قَوْله: (فَلَا يقبل مِنْهَا) يَعْنِي: لَا يُؤذن لَهَا حَتَّى تسْجد. قَوْله: (وتستأذن فَلَا يُؤذن لَهَا) ، يَعْنِي: تستأذن بالسير إِلَى مطْلعهَا فَلَا يُؤذن لَهَا. فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} (ي س: ٣٤) . أَشَارَ بقوله، فَذَلِك إِلَى مَا تضمن قَوْله: فَإِنَّهَا تذْهب إِلَى آخِره. قَوْله: (لمستقر لَهَا) يَعْنِي: إِلَى مُسْتَقر لَهَا. قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا يبلغ مستقرها حَتَّى ترجع إِلَى منازلها. قَالَ قَتَادَة: إِلَى وَقت وَأجل لَهَا لَا تعدوه، وَقيل: إِلَى انْتِهَاء أمرهَا عِنْد انْقِضَاء الدُّنْيَا، وَقيل: إِلَى أبعد منازلها فِي الْغُرُوب، وَقيل: لحد لَهَا من مسيرها كل يَوْم فِي مرأى عيوننا وَهُوَ الْمغرب، وَقيل: مستقرها أجلهَا الَّذِي أقرّ الله عَلَيْهِ أمرهَا فِي جريها فاستقرت عَلَيْهِ، وَهُوَ آخر السّنة. وَعَن ابْن عَبَّاس: إِنَّه قَرَأَ {لَا مُسْتَقر لَهَا} وَهِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود، أَي: لَا قَرَار لَهَا فَهِيَ جَارِيَة أبدا {ذَلِك} (يس: ٣٤) . الجري على ذَلِك التَّقْدِير والحساب الدَّقِيق الَّذِي يكلُّ الفطن عَن استخراجه وتتحير الأفهام فِي استنباط مَا هُوَ إلَاّ {تَقْدِير الْعَزِيز} (ي س: ٣٤) . الْغَالِب بقدرته على كل مَقْدُور {الْعَلِيم} (ي س: ٣٤) . الْمُحِيط علما بِكُل مَعْلُوم، فَإِن قلت: روى مُسلم عَن أبي ذَر قَالَ: سَأَلت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله تَعَالَى: {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} (ي س: ٣٤) . قَالَ: مستقرها تَحت الْعَرْش. قلت: لَا يُنكر أَن يكون لَهَا اسْتِقْرَار تَحت الْعَرْش من حَيْثُ لَا ندركه وَلَا نشاهده، وَإِنَّمَا أخبر عَن غيب فَلَا نكذبه وَلَا نكيفه إِن علمنَا لَا يُحِيط بِهِ.
٠٠٢٣ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ الْمُخْتَارِ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله الدَّانَاجُ قَالَ حدَّثني أَبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشَّمْسُ والقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن تكور الشَّمْس وَالْقَمَر من صفاتهما. وَعبد الله هُوَ ابْن فَيْرُوز الداناج، بِالدَّال الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَفِي آخِره جِيم، وَيُقَال: بِدُونِ الْجِيم أَيْضا، وَهُوَ مُعرب، وَمَعْنَاهُ: الْعَالم وَهُوَ بَصرِي.
قَوْله: (مكوران) أَي: مطويان ذَاهِبًا الضَّوْء، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أَي: يلفان ويجمعان، وَفِي رِوَايَة كَعْب الْأَحْبَار: يجاء بالشمس وَالْقَمَر ثورين يكوران فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة، أَي: يلفان ويلقيان فِي النَّار، وَالرِّوَايَة: ثورين، بالثاء الْمُثَلَّثَة كَأَنَّهُمَا يمسخان، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَقد رُوِيَ بالنُّون وَهُوَ تَصْحِيف، وَقَالَ الطَّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: تَكْذِيب كَعْب فِي قَوْله: هَذِه يَهُودِيَّة يُرِيد إدخالها فِي الْإِسْلَام، الله أكْرم وَأجل من أَن يعذب على طَاعَته، ألم تَرَ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وسخر لكم الشَّمْس وَالْقَمَر دائبين} (إِبْرَاهِيم: ٣٣) . يَعْنِي: دوامهما فِي طَاعَته، فَكيف يعذب عَبْدَيْنِ اثنى الله عَلَيْهِمَا؟ انْتهى.
قلت: قد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس أَيْضا مثل مَا رُوِيَ عَن كَعْب. أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فقد قَالَ الْخطابِيّ: وَرُوِيَ فِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة لم يذكرهَا أَبُو عبد الله وَهِي مَا حَدثنَا ابْن الْأَعرَابِي حَدثنَا عَبَّاس الدوري حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد حَدثنَا عبد الْعَزِيز الْمُخْتَار عَن عبد الله الداناج: شهِدت أَبَا سَلمَة، حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: (إِن الشَّمْس وَالْقَمَر ثوران يكوران فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة) . قَالَ الْحسن: وَمَا ذنبهما؟ قَالَ أَبُو سَلمَة: أَنا أحَدثك عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت تَقول مَا ذنبهما؟ فَسكت الْحسن. وَأما مَا رُوِيَ عَن أنس فقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) : عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس مَرْفُوعا: (أَن الشَّمْس وَالْقَمَر ثوران عقيران فِي النَّار) . وَذكره أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي بعض نسخ (أَطْرَافه) موهماً أَن ذَلِك فِي الصَّحِيح، وَذكر ابْن وهب فِي (كتاب الْأَمْوَال) : عَن عَطاء بن يسَار أَنه تَلا هَذِه الْآيَة: وَجمع {الشَّمْس وَالْقَمَر} (إِبْرَاهِيم: ٣٣) . قَالَ: يجمعان يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يقذفان فِي النَّار فيكونان فِي نَار الله الْكُبْرَى، وَقَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ المُرَاد بكونهما فِي النَّار، تعذيبهما بذلك، وَلكنه تبكيت لمن لَكَانَ يعبدهما فِي الدُّنْيَا ليعلموا أَن عِبَادَتهم لَهما كَانَت بَاطِلَة. وَقيل: إنَّهُمَا خلقا من النَّار فأعيدا فِيهَا، وَيرد هَذَا القَوْل مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: (تكلم رَبنَا بكلمتين صير إِحْدَاهمَا شمساً وَالْأُخْرَى قمراً وَكِلَاهُمَا من النُّور ويعادان يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الْجنَّة) . وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَا يلْزم من جَعلهمَا فِي النَّار تعذيبهما، فَإِن الله فِي النَّار مَلَائِكَة وَغَيرهَا لتَكون لأهل النَّار عذَابا وَآلَة من آلَات الْعَذَاب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute