للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَنه لما ركب الْبراق أَتَى إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَمَعَهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلما فرغ أمره فِيهِ نصب لَهُ الْمِعْرَاج، وَهُوَ السّلم، فَصَعدَ فِيهِ إِلَى السَّمَاء وَلم يكن الصعُود على الْبراق كَمَا يتوهمه بعض النَّاس، بل كَانَ الْبراق مربوطاً على بَاب مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس حَتَّى يرجع عَلَيْهِ إِلَى مَكَّة. قَوْله: (قيل من هَذَا؟) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر الَّتِي مَضَت فِي أول الْكتاب: فَلَمَّا جِئْت إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيل لخازن السَّمَاء: إفتح، فَهَذَا يدل على أَن لِلسَّمَوَاتِ أبواباً وحفظة موكلين بهَا. وَفِيه: إِثْبَات الإستيذان وَأَنه يَنْبَغِي أَن يَقُول: أَنا زيد، مثلا. قَوْله: (قَالَ: جِبْرِيل) يَعْنِي: قَالَ: أَنا جِبْرِيل. قَوْله: (قَالَ: مُحَمَّد) أَي: قَالَ جِبْرِيل: معي مُحَمَّد، وَالظَّاهِر أَن الْقَائِل فِي قَوْله: قيل، فِي هَذِه الْمَوَاضِع نفران أَبْوَاب السَّمَاء قَوْله: (وَقد أرسل إِلَيْهِ) الْوَاو للْعَطْف وحرف الإستفهام مقدره أَي: أطلب وَأرْسل إِلَيْهِ؟ وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: وَقد بعث إِلَيْهِ للإسراء وصعود السَّمَوَات؟ قَالَ الطَّيِّبِيّ: وَلَيْسَ مُرَاده الِاسْتِفْهَام عَن أصل الْبعْثَة والرسالة، فَإِن ذَلِك لَا يخفى عَلَيْهِ إِلَى هَذِه الْمدَّة، هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَقيل: مَعْنَاهُ أوحى إِلَيْهِ وَبعث نَبيا وَالْأول أظهر، لِأَن أَمر نبوته كَانَ مَشْهُورا فِي الملكوت لَا يكَاد يخفى على خزان السَّمَوَات وحراسها، وأوقف للاستفتاح والإستيذان، وَقيل: كَانَ سُؤَالهمْ للاستعجاب بِمَا أنعم الله عَلَيْهِ، أَو للاستبشار بعروجه، إِذْ كَانَ من البيِّن عِنْدهم عِنْدهم أَن أحدا من الْبشر لَا يترقى إِلَى أَسبَاب السَّمَوَات من غير أَن يَأْذَن الله لَهُ، وَيَأْمُر مَلَائكَته بإصعاده وَأَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَا يصعد بِمن لَا يُرْسل إِلَيْهِ وَلَا يفتح لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء. قَوْله: (مرْحَبًا بِهِ) أَي: بِمُحَمد، وَمَعْنَاهُ لَقِي رحباً وسعة. وَقيل: مَعْنَاهُ رحب الله بِهِ مرْحَبًا فَجعل، مرْحَبًا مَوضِع الترحيب، فعلى الأول انتصابه على المفعولية، وعَلى الثَّانِي: على المصدرية. قَوْله: (ولنعم الْمَجِيء جَاءَ) الْمَخْصُوص بالمدح مَحْذُوف، وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير، تَقْدِيره: جَاءَ فلنعم الْمَجِيء مَجِيئه. قَالَ الْمَالِكِي: فِيهِ: شَاهد على الِاسْتِغْنَاء بالصلة عَن الْمَوْصُول وَالصّفة عَن الْمَوْصُوف فِي بَاب: نعم، لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى فَاعل هُوَ الْمَجِيء وَإِلَى مَخْصُوص بمعناها، وَهُوَ مُبْتَدأ مخبر عَنهُ بنعم وفاعلها، وَهُوَ فِي هَذَا الْكَلَام وَشبهه مَوْصُول أَو مَوْصُوف بجاء، وَالتَّقْدِير: نعم الْمَجِيء الَّذِي جَاءَ، أَو: نعم الْمَجِيء جَاءَ، وَكَونه مَوْصُولا أَجود لِأَنَّهُ مخبر عَنهُ، وَكَون الْمخبر عَنهُ معرفَة أولى من كَونه نكرَة. قَوْله: (فَأتيت على آدم فَسلمت عَلَيْهِ) ، وَفِي رِوَايَة: وَأمر بِالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِم أَي: على الْأَنْبِيَاء الَّذين لَقِيَهُمْ فِي السَّمَوَات وعَلى خزان السَّمَوَات وحراسها، لِأَنَّهُ كَانَ عابراً عَلَيْهِم، وَكَانَ فِي حكم الْقيام وَكَانُوا فِي حكم الْقعُود، والقائم يسلم على الْقَاعِد، وَإِن كَانَ أفضل مِنْهُ. قَوْله: من ابْن وَنَبِي كل وَاحِد من الْبُنُوَّة والنبوة ظَاهر، وَهُوَ من قَوْله: (هَذَا) إِلَى قَوْله: فَرفع لي كُله ظَاهر إلَاّ بعض الْأَلْفَاظ نفسرها، فَقَوله: (فَأتيت على إِدْرِيس) وَكَانَ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة. قيل: هَذَا معنى قَوْله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} (مَرْيَم: ٧٥) . قَالَه أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: رفعناه فِي الْمنزلَة والرتبة، وَقيل: المُرَاد من قَوْله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} (مَرْيَم: ٧٥) . الْجنَّة. فَإِن قلت: إِذا كَانَ فِي الْجنَّة فَكيف لقِيه فِي السَّمَاء الرَّابِعَة؟ قلت: قيل: إِنَّه لما أخبر بعروجه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى السَّمَوَات وَمَا فَوْقهَا اسْتَأْذن ربه فِي ملاقاته، فَاسْتَقْبلهُ فَكَانَ اجتماعه بِهِ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة اتِّفَاقًا لَا قصدا. قَوْله: (مرْحَبًا من أَخ وَنَبِي) . فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ إِدْرِيس، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: من أَخ، وَهُوَ جد لنوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَكَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول: من ابْن. قلت: لَعَلَّه قَالَه تلطفاً وتأدباً والأنبياء أخوة. قَوْله: (فَلَمَّا جَاوَزت بَكَى) ، قَالُوا: كَانَ بكاؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل الرقة لِقَوْمِهِ والشفقة عَلَيْهِم حَيْثُ لم ينتفعوا بمتابعته انْتِفَاع هَذِه الْأمة بمتابعة نَبِيّهم، وَلم يبلغ سوادهم مبلغ سوادهم، وَلَا يَنْبَغِي إلَاّ أَن يحمل على هَذَا الْوَجْه أَو مَا يضاهي ذَلِك، فَإِن الْحَسَد فِي ذَلِك الْعَالم منزوع عَن عوام الْمُؤمنِينَ، فضلا عَمَّن اخْتَارَهُ الله لرسالته واصطفاه لمكالمته. قَوْله: (يَا رب هَذَا الْغُلَام) ، لم يرد مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بذلك استقصار شَأْنه، فَإِن الْغُلَام قد يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْقوي الطري الشَّاب، وَالْمرَاد مِنْهُ استقصار مدَّته مَعَ استكثار فضائله وَأمته أتم سواداً من أمته. وَقَالَ الْخطابِيّ. قَوْله: (الْغُلَام) ، لَيْسَ على معنى الإزراء والاستصغار لشأنه إِنَّمَا هُوَ على تَعْظِيم منَّة الله تَعَالَى عَلَيْهِ مِمَّا أناله من النِّعْمَة وأتحفه من الكرائم من غير طول عمر أفناه مُجْتَهدا فِي طَاعَته وَقد تسمي الْعَرَب الرجل المستجمع السن غُلَاما مَا دَامَ فِيهِ بَقِيَّة من الْقُوَّة، وَذَلِكَ فِي لغتهم مَشْهُورَة. قَوْله: (فَأتيت على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) ، هَذَا فِي السَّمَاء السَّابِعَة، وَذكر فِي حَدِيث أبي ذَر فِي أول كتاب الصَّلَاة أَنه فِي السَّادِسَة، قيل: فِي التَّوْفِيق بَينهمَا: بِأَن يُقَال: لَعَلَّه وجد فِي السَّادِسَة ثمَّ ارْتقى هُوَ أَيْضا إِلَى السَّابِعَة، وَكَذَلِكَ اخْتلف فِي مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل هُوَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>