فتأكله، فَنزلت نَار فَأكلت قرْبَان هابيل وَلم تَأْكُل من قرْبَان قابيل شَيْئا، فَأخذ قابيل فِي نَفسه حَتَّى قتل هابيل. وَعَن ابْن عَبَّاس: لم يزل الْكَبْش يرْعَى فِي الْجنَّة حَتَّى فدى بِهِ إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَاخْتلفُوا فِي أَي مَوضِع كَانَ القربان؟ فعامة الْعلمَاء على أَنه كَانَ بِالْهِنْدِ. وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي كَيْفيَّة قَتله؟ فَقَالَ ابْن جريج: إِنَّه أَتَاهُ وَهُوَ نَائِم فَلم يدر كَيفَ يقْتله، فَأَتَاهُ الشَّيْطَان متمثلاً فَأخذ طيراً فَوضع رَأسه على حجر ثمَّ شدخ رَأسه بِحجر آخر، وقابيل ينظر إِلَيْهِ، فَفعل بهابيل كَذَلِك. وَعَن ابْن عَبَّاس: رَمَاه بِحجر فَقتله. وروى مُجَاهِد عَنهُ: أَنه رضخ رَأسه بصخرة، وَعَن الرّبيع: أَنه اغتاله فَقتله، وَقيل: خنقه، وَقيل: ضربه بحديدة فَقتله. وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي مَوضِع مصرعه؟ فَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: على جبل ثَوْر، وَعَن جَعْفَر الصَّادِق: بِالْبَصْرَةِ مَكَان الْجَامِع، وَعَن الطَّبَرِيّ: على عقبَة حراء، وَعَن المَسْعُودِيّ: قَتله بِدِمَشْق، وَكَذَا قَالَه الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي (تَارِيخ دمشق) ، فَقَالَ: كَانَ قابيل يسكن خَارج بَاب الْجَابِيَة وَأَنه قتل أَخَاهُ على جبل قاسيون عِنْد مغارة الدَّم، وَقَالَ كَعْب: الدَّم الَّذِي على قاسيون هُوَ دم ابْن آدم. وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ: وَالْعجب من هَذِه الْأَقْوَال، وَقد اتّفق أَرْبَاب السّير أَن الْوَاقِعَة كَانَت بِالْهِنْدِ، وَأَن قابيل اغتنم غيبَة أَبِيه بِمَكَّة، فَمَا الَّذِي أَتَى بِهِ إِلَى جبل ثَوْر وحراء وهما بِمَكَّة؟ وَمَا الَّذِي أَتَى بِهِ إِلَى الْبَصْرَة وَلم تكن أسست؟ وَأَيْنَ الْهِنْد ودمشق والجابية؟ وَهل وضعت التواريخ إلَاّ ليتميز الصَّحِيح والسقيم والسالم والسليم؟ أللهم غفراً. قلت: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: أَنه قَتله على جبل نوذ بِالْهِنْدِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَحكى الثَّعْلَبِيّ عَن مُعَاوِيَة بن عمار: سَأَلت الصَّادِق أَكَانَ آدم يُزَوّج ابْنَته من ابْنه؟ فَقَالَ: معَاذ الله، وَإِنَّمَا هُوَ لما أهبط إِلَى الأَرْض ولدت حَوَّاء، عَلَيْهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِنْتا فسماها عنَاقًا، وَهِي أول من بغى على وَجه الأَرْض، فَسلط الله عَلَيْهَا من قَتلهَا. فولد لَهُ على إثْرهَا قابيل، فَلَمَّا أدْرك أظهر الله لَهُ جنية يُقَال لَهَا: حمامة، فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن زَوجهَا مِنْهُ، فَلَمَّا أدْرك هابيل أهبط الله إِلَيْهِ من الْجنَّة حوراء اسْمهَا: بذلة، فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن زَوجهَا مِنْهُ، فأعتب قابيل على أَبِيه، وَقَالَ: أَنا أسن مِنْهُ وَكنت أَحَق بهَا. قَالَ: يَا بني إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَيّ بذلك، فقربا قرباناً. قَوْله: (كفل) ، بِكَسْر الْكَاف وَإِسْكَان الْفَاء: وَهُوَ النَّصِيب والجزء، وَقَالَ الْخَلِيل: الكفل من الْأجر وَالْإِثْم هُوَ الضعْف. وَفِي التَّنْزِيل: {من يشفع شَفَاعَة حَسَنَة يكن لَهُ نصيب مِنْهَا وَمن يشفع شَفَاعَة سَيِّئَة يكن لَهُ كفل مِنْهَا} (النِّسَاء: ٥٨) . وَأما قَوْله تَعَالَى: {يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته} (الْحَدِيد: ٨٢) . فَلَعَلَّهُ من تَغْلِيب الْخَيْر. قَوْله: (لِأَنَّهُ) ، أَي: لِأَن ابْن آدم الأول أول من سنّ الْقَتْل، أَي على وَجه الأَرْض من بني آدم، فَإِن قيل: قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: ٤٦١، الْإِسْرَاء: ٥١، فاطر: ٨١، الزمر: ٧، النَّجْم: ٨٣) . أُجِيب: بِأَن هَذَا جَزَاء تأسيس فَهُوَ فعل سنة، وَالله أعلم.
(قَالَ وَقَالَ اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف) مطابقته للتَّرْجَمَة من جِهَة أَن التَّرْجَمَة جُزْء مِنْهُ أَي قَالَ البُخَارِيّ وَقَالَ اللَّيْث بن سعد عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق سعيد بن أبي مَرْيَم عَن يحيى بن أَيُّوب وَفِي الحَدِيث قصَّة ذكرهَا أَبُو يعلى وَغَيره وَهِي أَن عمْرَة قَالَت كَانَت بِمَكَّة امْرَأَة مزاحة فَنزلت على امْرَأَة مثلهَا فَبلغ ذَلِك عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَقَالَت صدق حِين سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " الْأَرْوَاح جنود مجندة " الحَدِيث والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا عبد الْعَزِيز يَعْنِي ابْن مُحَمَّد عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " الْأَرْوَاح جنود مجندة " إِلَى آخِره نَحوه قَوْله " الْأَرْوَاح " جمع روح وَهُوَ الَّذِي يقوم بِهِ الْجَسَد وَيكون بِهِ الْحَيَاة قَوْله " جنود مجندة " أَي جموع مجتمعة وأنواع مُخْتَلفَة وَقيل أَجنَاس مجنسة وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن الْأَرْوَاح لَيست بأعراض فَإِنَّهَا كَانَت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute