فِي الأرْضِ وآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سبَبَاً فأتَّبعَ سَبَباً} (الْكَهْف: ٣٨ و ٤٨) . إِلَى قَوْله: {ائْتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ} (الْكَهْف: ٦٩) .
وَقَول الله تَعَالَى، بِالْجَرِّ عطفا على قَول الله الأول، وَفِي بعض النّسخ: بَاب قَول الله تَعَالَى. . إِلَى آخِره، وَرِوَايَة أبي ذَر إِلَى قَوْله: سَببا، وسَاق غَيره الْآيَة، ثمَّ اتَّفقُوا إِلَى قَوْله: {أَتَوْنِي زبر الْحَدِيد} (الْكَهْف: ٦٩) . وَبعد قَوْله: سَببا، هُوَ قَوْله: {فأتبع سَببا حَتَّى إِذا بلغ مغرب الشَّمْس وجدهَا تغرب فِي عين حمئة وَوجد عِنْده قوما قُلْنَا يَا ذَا القرنين إِمَّا أَن تعذب وَإِمَّا أَن تتَّخذ فيهم حسنا قَالَ: أما من ظلم فَسَوف نعذبه ثمَّ يرد إِلَى ربه فيعذبه عذَابا نكراً وَأما من آمن وَعمل صَالحا فَلهُ جَزَاء الْحسنى وسنقول لَهُ من أمرنَا يسرا ثمَّ أتبع سَببا حَتَّى إِذا بلغ مطلع الشَّمْس وجدهَا تطلع على قوم لم يَجْعَل لَهُم من دونهَا سترا كَذَلِك وَقد أحطنا بِمَا لَدَيْهِ خَبرا ثمَّ أتبع سَببا حَتَّى إِذا بلغ بَين السدين وجد من دونهمَا قوما لَا يكادون يفقهُونَ قولا قَالُوا يَا ذَا القرنين إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج مفسدون فِي الأَرْض فَهَل نجْعَل لَك خرجا على أَن تجْعَل بَيْننَا وَبينهمْ سداً قَالَ مَا مكني فِيهِ رَبِّي خير فَأَعِينُونِي بِقُوَّة أجعَل بَيْنكُم وَبينهمْ ردماً آتوني زبر الْحَدِيد حَتَّى إِذا سَاوَى بَين الصدفين قَالَ انفخوا حَتَّى إِذا جعله نَارا قَالَ آتوني أفرغ عَلَيْهِ قطراً فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نقباً} (الْكَهْف: ٥٨ ٧٩) . قَوْله: (يَسْأَلُونَك) ، السائلون هم الْيَهُود سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جِهَة الامتحان، وَقيل: سَأَلَهُ أَبُو جهل وأشياعه. قَوْله: (قل) ، خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (سأتلوا عَلَيْكُم) ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الْخطاب لأحد الْفَرِيقَيْنِ. قَوْله: (مِنْهُ ذكرا) أَي: من أخباره. قَوْله: (إنَّا مكنَّا لَهُ فِي الأَرْض وَآتَيْنَاهُ من كل شَيْء) أَي: من أَسبَاب كل شَيْء أَرَادَهُ من أغراضه ومقاصده فِي ملكه، وَيُقَال: سهلنا عَلَيْهِ الْأَمر فِي السّير فِي الأَرْض حَتَّى بلغ مشارقها وَمَغَارِبهَا. قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: سخر الله لَهُ السَّحَاب فَحمل عَلَيْهِ، وَبسط لَهُ النُّور فَكَانَ اللَّيْل وَالنَّهَار عَلَيْهِ سَوَاء. قَوْله: (وَآتَيْنَاهُ من كل شَيْء سَببا) أَي: علما يتسبب بِهِ إِلَى مَا يُرِيد، قَالَه ابْن عَبَّاس، وَقيل: علما بالطرق والمسالك فسخرنا لَهُ أقطار الأَرْض كَمَا سخر الرّيح لِسُلَيْمَان، عَلَيْهِ السَّلَام، وَقيل: جعل لَهُ فِي كل أمة سُلْطَانا وهيبة، وَقيل: مَا يَسْتَعِين بِهِ على لِقَاء الْعَدو، وَوَقع فِي بعض نسخ البُخَارِيّ بعد قَوْله: سَببا: طَرِيقا. قَوْله: (فِي عين حمئة) أَي: ذَات حمأة، وَمن قَرَأَ: حامية فَمَعْنَاه مثله، وَقيل: حارة، وَيجوز أَن تكون حارة، وَهِي ذَات حمأة. قَوْله: (وَوجد عِنْدهَا قوما) أَي: عِنْد الْعين أَو عِنْد نِهَايَة الْعِمَارَة قوما لباسهم جُلُود السبَاع، وَلَيْسَ لَهُم طَعَام إلَاّ مَا أحرقته الشَّمْس من الدَّوَابّ إِذا غربت نَحْوهَا، وَمَا لفظت الْعين من الْحيتَان إِذا وَقعت، وَعَن ابْن السَّائِب:؛ هُنَاكَ قوم مُؤمنُونَ وَقوم كافرون. قَوْله: (قُلْنَا يَا ذَا القرنين) ، من قَالَ إِنَّه نَبِي قَالَ: هَذَا القَوْل وجي، وَمن منع قَالَ: إِنَّه إلهام. قَوْله: (إِمَّا أَن تعذب وَإِمَّا أَن تتَّخذ فيهم حسنا) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: كَانُوا كفرة فخيره الله تَعَالَى بَين أَن يعذبهم بِالْقَتْلِ وَأَن يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام، فَاخْتَارَ الدعْوَة وَالِاجْتِهَاد فِي استمالتهم، فَقَالَ: أما من دَعوته فَأبى إلَاّ الْبَقَاء على الظُّلم الْعَظِيم الَّذِي هُوَ الشّرك فَذَلِك هُوَ المعذب فِي الدَّاريْنِ. قَوْله: (أما من ظلم) أَي: أشرك. قَوْله: (فَسَوف نعذبه ثمَّ يرد إِلَى ربه فيعذبه عذباً نكراً) أَي: مُنْكرا. وَقَالَ الْحسن: كَانَ يطبخهم فِي الْقدر. قَوْله: (وَأما من آمن) أَي: ترك الْكفْر وَعمل صَالحا فِي إيمَانه فَلهُ جَزَاء الْحسنى أَي: الْجنَّة. قَوْله: (يسرا) أَي: قولا جميلاً، قَوْله: (ثمَّ أتبع سَببا) أَي: طَرِيقا آخر يوصله إِلَى الْمشرق. قَوْله: (لم نجْعَل لَهُم من دونهَا) أَي: من دون الشَّمْس سترا لأَنهم كَانُوا فِي مَكَان لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ الْبناء، وَكَانُوا فِي أسراب لَهُم حَتَّى إِذا زَالَت الشَّمْس خَرجُوا إِلَى مَعَايشهمْ وحروثهم. وَقَالَ الْحسن: كَانَت أَرضهم على شاطىء الْبَحْر على المَاء لَا يحْتَمل الْبناء، فَإِذا طلعت عَلَيْهِم الشَّمْس دخلُوا فِي المَاء، وَإِذا ارْتَفَعت عَنْهُم خَرجُوا. قَوْله: (كَذَلِك) ، أَي: كَمَا وجد قوما عِنْد مغرب الشَّمْس وَحكم فيهم، وجد قوما عِنْد مطْلعهَا وَحكم فيهم كَذَلِك. قَوْله: (وَقد أحطنا بِمَا لَدَيْهِ) أَي: من الْجنُود والآلات وَأَسْبَاب الْملك. قَوْله: (خَبرا) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: تكثيراً، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْخَبَر النَّصِيب. قَوْله: (ثمَّ أتبع سَببا) أَي: طَرِيقا بَين الْمشرق وَالْمغْرب. قَوْله: (حَتَّى إِذا بلغ بَين السدَّين) أَي: الجبلين، (وجد من دونهمَا قوما) يَعْنِي، أَمَام السد، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الْقَوْم التّرْك. قَوْله: (لَا يكادون يفقهوم قولا) لأهم لَا يعْرفُونَ غير لغتهم، ثمَّ نذْكر بَقِيَّة التَّفْسِير فِي أَلْفَاظ البُخَارِيّ.
واحدُها زُبْرَةٌ وهْيَ الْقِطَعُ
أَي: وَاحِد الزبر: زُبرة، وَهِي القع، وَهَكَذَا فسره أَبُو عبيد فَقَالَ: زبر الْحَدِيد، أَي: قطع الْحَدِيد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute