حتَّى إذَا ساوَى بَيْنَ الْصَّدَفَيْنِ: يُقَالُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ الجَبَلَيْنِ والسُّدَّيْنِ الجَبَلَيْنِ
قَرَأَ أبان: حَتَّى إِذا سوَّى، بتَشْديد الْوَاو بِحَذْف الْألف، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَوْله: (بَين الصدفين) ، أَي: مَا بَين الناحيتين من الجبلين، والصدفين، بِضَمَّتَيْنِ وفتحتين وضمة وَسُكُون وفتحة وضمة. قَوْله: (يُقَال عَن ابْن عَبَّاس) ، تَعْلِيق بِصِيغَة التمريض وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، والسدين، بِضَم السِّين وَفتحهَا بِمَعْنى وَاحِد، قَالَه الْكسَائي، وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: مَا كَانَ من صنع الله فبالضم، وَمَا كَانَ بصنع الْآدَمِيّ فبالفتح، وَقيل: بِالْفَتْح مَا رَأَيْته، وبالضم مَا توارى عَنْك.
خَرْجاً أجْراً
أَشَارَ بِهِ إِلَى لفظ خرجا، ثمَّ فسره بقوله: أجرا، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: خرجا، قَالَ: أجرا عَظِيما.
قَالَ انْفُخُوا حتَّى إذَا جَعَلَهُ نارَاً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرَاً أصْبُبْ علَيْهِ رَصاصاً ويُقالُ الحَدِيدُ ويُقالُ الصُّفْرُ: وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ النُّحَاسُ
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: حشى مَا بَين الجبلين بالحديد، ونسج بَين طَبَقَات الْحَدِيد بالحطب والفحم، وَوضع عَلَيْهَا المنافيج. (قَالَ انفخوا حَتَّى إِذا جعله نَارا) أَي: كالنار من النفخ. (قَالَ: أَتَوْنِي) أَي: أعطوني (أفرغ عَلَيْهِ قطراً) ، وَفسّر البُخَارِيّ قَوْله: أفرغ، بقوله: أُصِيب، من: صب يصب إِذا سكب، وَذكره بفك الْإِدْغَام لِأَن المثلين إِذا اجْتمعَا فِي كلمة وَاحِدَة يجوز فِيهِ الْإِدْغَام والفك، والإدغام أَكثر، وَفسّر قطراً بقوله: رصاصاً، وَهُوَ بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا. قَوْله: (وَيُقَال: الْحَدِيد) أَي: الْقطر هُوَ الْحَدِيد (وَيُقَال: الصفر) أَي: الصفر، بِضَم الصَّاد وَكسرهَا، وَفِي (الْمغرب) : الصفر النّحاس الْجيد الَّذِي تعْمل مِنْهُ الْآنِية. قَوْله: (وَقَالَ ابْن عَبَّاس: النّحاس) أَي: الْقطر هُوَ النّحاس، وَكَذَا قَالَه السّديّ
فَمَا اسْطاعُوا أنْ يظْهِروُهُ يَعْلُوهُ اسْطَاَعَ اسْتَفْعَلَ مِنْ أطَعْتُ لَهُ فَلِذَلِكَ فُتِحَ أسْطاعَ يَسْطِيعُ وَقَالَ بَعْضُهُمُ اسْتَطاَعَ يَسْتَطِيعُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبَاً
قَوْله: (فَمَا اسطاعوا) أَي: فَمَا قدرُوا أَن يظهروه أَي: يعلوه، من قَوْلهم: ظَهرت فَوق الْجَبَل إِذا علوته، وَهَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة. قَوْله: (اسطاع استفعل) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن: فَمَا اسطاعوا الَّذِي هُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون السِّين بِلَا تَاء مثناة من فَوق، جمع مفرده: اسطاع، وَزنه فِي الأَصْل: استفعل، لِأَنَّهُ من: طعت، بِضَم الطَّاء وَسُكُون الْعين، لِأَنَّهُ من بَاب فعل يفعل مثل نصر ينصر، وَلكنه أجوف واوي لِأَنَّهُ من الطوع، يُقَال: طاع لَهُ وطعت لَهُ، مثل قَالَ لَهُ وَقلت لَهُ، وَلما نقل طاع إِلَى بَاب الاستفعال صَار: اسْتَطَاعَ، على وزن: استفعل، ثمَّ حذفت التَّاء للتَّخْفِيف بعد نقل حركتها إِلَى الْهمزَة فَصَارَ: اسطاع، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون السِّين، وَأَشَارَ إِلَى هَذَا بقوله: فلذك فتح: اسطاع، أَي: فلأجل حذف التَّاء وَنقل حركتها إِلَى الْهمزَة، قيل: اسطاع يسطيع، بِفَتْح الْهمزَة فِي الْمَاضِي وَفتح الْيَاء فِي الْمُسْتَقْبل، وَلَكِن بَعضهم قَالَ فِي الْمُسْتَقْبل بِضَم الْيَاء، فَمن فتح الْيَاء فِي الْمُسْتَقْبل جعله من: طاع يُطِيع، وَمن ضمهَا جعله من: طاع يطوع، يُقَال: أطاعه يطيعه فَهُوَ مُطِيع، وطاع لَهُ يطوع ويطيع فَهُوَ: طائع، أَي: أذعن لَهُ وانقاد، وَالِاسْم: الطَّاعَة، والاستطاعة الْقُدْرَة على الشَّيْء. قَوْله: (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نقباً) وَهُوَ من قَوْله تَعَالَى بعد، قَوْله: (فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه) ، ذكره إِشَارَة إِلَى أَن التَّصَرُّف الْمَذْكُور كَانَ فِي قَوْله: (فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه) وَأما قَوْله: (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نقباً) فعلى الأَصْل من بَاب الاستفعال. قَوْله: (نقباً) يَعْنِي: لم يتمكنوا أَن ينقبوا السد من أَسْفَله لِشِدَّتِهِ وصلابته، وَلم أر شارحاً حرر هَذَا الْموضع كَمَا يَنْبَغِي، فَالْحَمْد لله على مَا أولانا من نعمه.
قَالَ: هذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فإذَا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ألْزَقَهُ بالأرْضِ وناقَةٌ دَكَّاءُ لَا سَنَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute