لَهَا والدَّكْدَاكُ مِنَ الأرْضِ مِثْلهُ حتَّى صَلُبَ مِنَ الأرْضِ وتَلَبَّدَ وكانَ وعْدُ رَبِّي حَقَّاً وتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ
هَذَا إِشَارَة إِلَى السد أَي: هَذَا السد رَحْمَة من الله على عباده ونعمة عَظِيمَة، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَي هَذَا الإقدار والتمكين من تسويته. قَوْله: (فَإِذا جَاءَ وعد رَبِّي) ، يَعْنِي: فَإِذا دنا يَوْم الْقِيَامَة وشارف أَن يَأْتِي جعله دكاً، أَي ألزقه بِالْأَرْضِ، يَعْنِي: جعله مدكوكاً مستوياً بِالْأَرْضِ مَبْسُوطا، وكل مَا انبسط بعد الِارْتفَاع فقد اندك، وقرىء: دكاء، بِالْمدِّ أَي: أَرضًا مستوية. قَوْله: (وناقة دكاء) ، أَي: لَا سَنَام لَهَا، وَكَذَلِكَ يُقَال: جمل أدك إِذا كَانَ منبسط السنام. قَوْله: (والدكداك من الأَرْض مثله) أَي: الملزق بِالْأَرْضِ المستوي بهَا، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: والدكداك من الرمل مَا تلبد مِنْهُ بِالْأَرْضِ وَلم يرْتَفع. قَوْله: (وَكَانَ وعد رَبِّي حَقًا) هَذَا آخر حِكَايَة قَول ذِي القرنين. قَوْله: (وَتَركنَا بَعضهم يَوْمئِذٍ يموج فِي بعض) ، ابْتِدَاء كَلَام آخر أَي: وَتَركنَا بعض الْخلق يَوْم الْقِيَامَة يموج أَي: يضطرب ويختلط بَعضهم فِي بعض وهم حيارى من شدَّة يَوْم الْقِيَامَة، وَيجوز أَن يكون الضَّمِير فِي: بَعضهم، ليأجوج وَمَأْجُوج، وَأَنَّهُمْ يموجون حِين يخرجُون مِمَّا وَرَاء السد مزدحمين فِي الْبِلَاد. وَرُوِيَ: أَنهم يأْتونَ الْبَحْر وَيَشْرَبُونَ مَاءَهُ ويأكلون دوابه ثمَّ يَأْكُلُون الشّجر وَمن ظفروا بِهِ مِمَّن لم يتحصن من النَّاس، وَلَا يأْتونَ مَكَّة وَالْمَدينَة وَبَيت الْمُقَدّس، هَكَذَا ذكره الزَّمَخْشَرِيّ فِي هَذِه الْآيَة، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث السّديّ عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِيه: فَيخْرجُونَ على النَّاس فيستقون الْمِيَاه، وَفِي (تَفْسِير مقَاتل) : فَإِذا خَرجُوا فيشرب أَوَّلهمْ دجلة والفرات حَتَّى يمر آخِرهم فَيَقُول: قد كَانَ هَهُنَا مَاء.
حتَّى إذَا فُتحَتْ يأجُوجُ ومَأجُوجُ وهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قَالَ قَتَادَةُ: حدَبٌ: أكَمَة
وَفِي بعض النّسخ قبل هَذَا: بَاب حَتَّى إِذا فتحت إِلَى آخِره، كلمة: حَتَّى، حرف ابْتِدَاء بِسَبَب إِذا، لِأَنَّهَا تَقْتَضِي جَوَابا هُوَ الْمَقْصُود ذكره، قيل: جَوَابه: {واقترب الْوَعْد الْحق} (الْأَنْبِيَاء: ٧٩) . وَالْوَاو زَائِدَة نَظِيره: {حَتَّى إِذا جاؤها وَفتحت أَبْوَابهَا} (الزمر: ١٧ ٢٧) . وَقيل: جَوَابه فِي قَوْله: يَا ويلنا بعده، التَّقْدِير: {قَالُوا يَا ويلنا} (الْأَنْبِيَاء: ٤١، ي س: ٢٥٢، الصافات: ٠٢٢، والقلم: ١٣) . وَلَيْسَت الْوَاو زَائِدَة، وَقيل: الْجَواب فِي قَوْله: فَإِذا هِيَ شاخصة، وَقَرَأَ ابْن عَامر: فتحت، بِالتَّشْدِيدِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَالْمعْنَى: حَتَّى إِذا فتحت سد يَأْجُوج وَمَأْجُوج يخرجُون حِين يفتح السد وهم من كل حدب، أَي: نشر من الأَرْض، وَفَسرهُ قَتَادَة بقوله: حدب أكمة. قَوْله: (يَنْسلونَ) أَي: يسرعون، من النسلان وَهُوَ مقاربة الخطى مَعَ الْإِسْرَاع كمشي الذِّئْب إِذا بَادر، والعسلان بِالْعينِ الْمُهْملَة، مثله.
قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ قَالَ رأيْتَهُ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي عمر من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة عَن رجل من أهل الْمَدِينَة، أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رَسُول الله {قد رَأَيْت سد يَأْجُوج وَمَأْجُوج} قَالَ: كَيفَ رَأَيْته؟ قَالَ: مثل البُرد المحبَّر طَريقَة حَمْرَاء وَطَرِيقَة سَوْدَاء، قَالَ: قد رَأَيْته؟ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة عَن رجلَيْنِ عَن أبي بكرَة: أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ، فَذكر نَحوه، وَأخرجه الْبَزَّار من طَرِيق يُوسُف بن أبي مَرْيَم الْحَنَفِيّ عَن أبي بكرَة: أَن رجلا رأى السد. . فساقه مطولا. وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه أَيْضا فِي (تَفْسِيره) عَن سُلَيْمَان بن أَحْمد: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا أَبُو الجماهير حَدثنَا سعيد بن بشير عَن قَتَادَة عَن رجلَيْنِ عَن أبي بكرَة الثَّقَفِيّ: أَن رجلا أَتَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي قد رَأَيْته، يَعْنِي السد، فَقَالَ: كَيفَ هُوَ؟ قَالَ: كالبُرد المحبَّر. قَالَ: قد رَأَيْته؟ قَالَ: وَحدثنَا قَتَادَة أَنه قَالَ: طَريقَة حَمْرَاء من نُحَاس وَطَرِيقَة سَوْدَاء من حَدِيد. قَوْله: (مثل الْبرد) ، بِضَم الْبَاء: هُوَ نوع من الثِّيَاب مَعْرُوف، وَالْجمع: أبراد وبرود، والبردة: الشملة المخططة. قَوْله: (المحبر) ، بِضَم الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة: وَهُوَ خطّ أَبيض وَخط أسود أَو أَحْمَر. قَوْله: (قَالَ: رَأَيْته؟) أَي: رَأَيْته صَحِيحا وَأَنت صَادِق فِي ذَلِك؟ وَقَالَ نعيم بن حَمَّاد فِي (كتاب الْفِتَن) : حَدثنَا مسلمة بن عَليّ حَدثنَا سعيد ابْن بشير عَن قَتَادَة قَالَ رجل: يَا رَسُول الله! قد رَأَيْت الرَّدْم، وَأَن النَّاس يكذبونني. فَقَالَ: كَيفَ رَأَيْته؟ قَالَ: رَأَيْته كَالْبردِ المحبر. قَالَ: صدقت، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد رَأَيْته لَيْلَة الْإِسْرَاء، لبنة من ذهب ولبنة من رصاص. وَقَالَ الحوفي فِي (تَفْسِيره) : بُعْد مَا بَين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute